للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني بذلك في أديم غير مُصلَحٍ. ومن ذلك قيل: إن فلانًا يَرُبُّ صَنيعتَه عند فلان: إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عَبَدَةَ [من الطويل]:

فَكُنْتَ امْرَأً أَفْضَتْ إِلَيْكَ رِبَابَتِي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضعْتُ رُبُوبُ (١)

يعني بقوله: "أفضت إليك" أي وصلت إليك رِبَابتي، فصِرتَ أنت الذي ترُبُّ أمري، فتصلحه لَمَّا خرجتُ من رِبابة غيرك من الملوك، كانوا قبلك عليّ، فضيّعوا أمري، وتركوا تفقّده، وهم الربوب، واحدهم رَبٌّ. والمالك للشيء يُدعَى ربَّهُ. وقد يتصرّف أيضًا معنى "الربّ" في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة.

فربّنا جلّ ثناؤه: السيّد، الذي لا شِبْهَ لهُ، ولا مثل في مثل سُؤدَده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر. انتهى كلام ابن جرير رحمه الله تعالى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى "الربّ": المالك. وفي "الصحاح": و"الرّبّ": اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره، إلا بالإضافة، وقد قالوه في الجاهليّة للمَلِك، قال الحارث بن حِلِّزَةَ [من الخفيف]:

وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْمِ ... الْحِيَارَينِ وَالْبَلَاءُ بَلَاءُ

والحِيَارِين: موضع غزا أهلَهُ المنذرُ بن ماء السماء.

والربّ: السيّد، ومنه قوله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، وفي الحديث: "أن تلد الأمة ربتها"، أي سيّدتها. والربّ: المصلح، والمدبّر، والجابر، والقائم. قال الهرويّ، وغيره: يقال لمن قام بإصلاح شيء، وإتمامه: قد رَبَّهُ يَرُبُّهُ، فهو رَبٌّ له، ورابٌّ، ومنه سُمّي الربّانيّون؛ لقيامهم بالكتب. وفي الحديث: "هل لك من نعمة ترُبُّها عليه"، أي تقوم بها، وتُصلحها. و"الربّ": المعبود، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ (٣) بِرَأْسِهِ ... لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ

ويقال على التكثير: رّبَّاه، ورَبَّبَهُ، وتَرَبَّبَهُ. حكاه النّحّاس. وفي "الصحاح": ورَبَّ فلانٌ ولده يرُبُّهُ رَبًّا، ورَبَّبَهُ، وتربّبه بمعنى: أي ربّاه. والمربوب: الْمُرَبَّى.


(١) "ربوبٌ" جمع ربّ، فاعل "ربّتني"، أي ربتني قبلك ربرب، فضيّعتني، والآن صارت ربابتي إليك.
(٢) تفسير الطبريّ جـ ١ ص ١٤١ - ١٣٢.
(٣) "الثعلبان" بالضم ذكر الثعلب، هكذا ذكره الجوهري، وقد ردّ عليه في "القاموس" بأنه في البيت بالفتح تثنية ثعْلَب، وردّ عليه الشارح بثبوت ما قاله الجوهري عن كثير من أئمة اللغة. راجع "تاج العروس" ج ١ ص ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>