للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بعض العلماء: إن هذا الاسم هو اسم الله الأعظم؛ لكثرة دعوة الداعين به، وتأمّل ذلك في القرآن، كما في آخر "آل عمران"، و"سورة إبراهيم"، وغيرهما، ولما يُشعِر به هذا الوصف من الصِّلَة بين الربّ والمربوب، مع ما يتضمّنه من العطف، والرحمة، والافتقار في كلّ حال. انتهى كلام القرطبيّ (١).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "الربّ" هو المالك المتصرّف، ويطلق في اللغة على السيّد، وعلى المتصرّف للإصلاح، وكلّ ذلك صحيحٌ في حقّ الله تعالى، ولا يستعمل لغير الله، إلا بالإضافة. وقد قيل: إنه الاسم الأعظم. انتهى كلام ابن كثير (٢).

وقال في "لسان العرب": ما مختصره: وربّ كلّ شيء: مالكه، ومستحقّه. وقيل: صاحبه. ويقال: فلانٌ ربُّ هذا الشيء: أي مالكه، وكلّ من ملك شيئًا، فهو ربّه. والربّ يُطلق في اللغة على المالك، والسيّد، والمدبّر، والمربّي، والقيّم، والمنعم. ولا يُطلق غيرَ مضاف إلا على الله عز وجل، وإذا أُطلق على غيره أُضيف، فقيل: ربّ كذا. وقد جاء في الشعر مطلقًا على غير الله تعالى، وليس بالكثير، ولم يُذكر في غير الشعر. انتهت عبارة "اللسان" بتصرّف.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: متى أدخلت الألف واللام على "ربّ" اختصّ الله تعالى به؛ لأنها للعهد، وإن حُذفا منه صار مشتركًا بين الله وبين عباده، فيقال: الله ربّ العباد، وزيدٌ ربّ الدار، فالله عز وجل ربّ الأرباب، يملك المالك، والمملوك، وهو خالق ذلك، ورازقه، وكلّ ربّ سواه غير خالق، ولا رازقٍ، وكلّ مملوك (٣) فمُمَلَّك بعد أن لم يكن، ومنتزَع ذلك من يده، وإنما يملك شيئًا دون شيء، وصفة الله تعالى مخالفة لهذه المعاني، فهذا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين انتهى (٤).

وقد أوصل بعضهم معاني الربّ إلى أربعة عشر معنًى، ونظمها بقوله [من الطويل]:

قَرِيبٌ مُحِيطٌ مَالِكٌ وَمُدَبِّرِّ ... مُرَبِّ مُرِيدُ الْخَيْرِ وَالْمُولِي لِلنِّعَمْ

وَخَالِقُنَا الْمَعْبُودُ جَابِرُ كَسْرِنَا ... وَمُصلِحُنَا وَالصَّاحِبُ الثَّابِتُ الْقَدَمْ

وَجَامِعُنَا وَالسَّيِّدُ احْفَظْ فَهَذِهِ ... مَعَانٍ أَتَتْ لِلربِّ وَادْعُ لِمَنْ نَظَمْ (٥)


(١) الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٥.
(٣) هكذا نسخة القرطبيّ، ولعل الصواب: "وكلّ مُمَلَّكِ". والله تعالى أعلم.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ١٣٧ - ١٣٨.
(٥) راجع حاشية البيجوري على أبي شجاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>