للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدّم عند شرح قوله: "فنقسمها على ثلاثة أقسام من الناس .. إلخ" بيان الاختلاف في المراد به، هل وفَى به في هذا الكتاب، كما هو رأي القاضي عياض، وتابعه ابن الصلاح، والنوويّ، وهو الصواب، أم اخترمته المنيّة، دون إتمامه، كما هو رأي الحاكم، وتبعه البيهقيّ. والله أعلم.

(أخبار هذا الصنف من الناس) بنصب "أخبارَ" على المفعوليّة لـ "تقصينا" و"من الناس" بيان لاسم الإشارة، واسم الإشارة يعود إلى الناقلين الذين هم أهل استقامة، وإتقان لما رووه (أتبعناها) بقطع الهمزة من الإتباع رباعيًّا، يقال: تبع زيدٌ عمرًا، من باب تَعِبَ: مَشَى خَلْفَهُ، أو مَرّ به، فمضى معه. وأتبعتُ زيدًا عمرًا بالألف: جعلتُهُ تابعًا له. أفاده الفيّوميّ.

(أخبارًا) مفعول به لـ "أتبعنا" وجملة قوله (يقع) في محلّ نصب صفة لـ "أخبارًا" (في أسانيدها) أي في أسانيد تلك الأخبار (بعضُ) بالرفع على الفاعليّة لـ "يقع"، وهو مضاف إلى قوله، (من ليس بالموصول) الباء زائدة في خبر "ليس"، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ "مَا" و "لَيْسَ" جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ "لَا" وَنَفْي "كَانَ" قَدْ يُجَرّ

(بالحفظ) متعلّقٌ بـ "الموصوف" وقوله (والإتقان) عطفَ تفسير لـ "الحفظ" (كالصنف المقدّم قبلهم) أي وهم الذين وُصِفوا بالاستقامة في الرواية، وإتقان ما نقلوه.

وحاصل ما أشار إليه رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنه بعد أن ينتهي من إيراد أخبار الصنف الأول، وهم البالغون في الحفظ الدرجة العليا، يأتي بأخبار من ليس مثلهم في الحفظ والإتقان.

(على أنهم) "على" هنا للاستدراك والإضراب، كقولك: فلان لا يدخل الجنّةَ لسوء صَنِيعه، على أنه لا ييأس من رحمة الله تعالى، وقولِهِ [من الطويل]:

فَوَاللهِ لَا أَنْسَى قَتِيلَا رُزِئْتُهُ ... بِجَانِب قَوْسِي مَا بَقِيتُ عَلَى الأَرْضِ

عَلَى أَنَّهَا تَعْفُو الْكُلُومُ وَإِنَّمَا ... تُوَكَّلُ بِالأَدْنَى وَإِنْ جَلَّ مَا يَمْضِي

أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد. وقولِهِ [من الطويل أيضًا]:

بِكُلٍّ تَدَوَيْنا فَلَمْ يَشْفِ مَا بِنَا ... عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ

ثم قال:

عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنَافِعٍ ... إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوَاهُ لَيْسَ بِذِي وُدٍ

أبطل بـ "على" الأولى عموم قوله: "لم يَشْفِ ما بنا" فقال: بلى إن فيه شفاءً مّا، ثم أبطل بالثانية قوله: "على أن قرب الدار خيرٌ من البعد".

<<  <  ج: ص:  >  >>