للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزهريّ غيرها، فقد رواها عنه ابن عيينة بلفظ: "فاقضوا". قال الحافظ: وحكم مسلم في "التمييز" عليه بالوهم في هذه اللفظة، مع أنه أخرج إسنادها في "صحيحه"، لكن لم يسُق لفظه. انتهى (١). وهذا وإن لم يبيّن العلة صريحًا، إلا أن تركه ذكر لفظه يدلّ على الإشارة إليها، ولذا ترى الحافظ الرشيد العطار الذي قدّمنا رسالته في مقدّمة هذا الشرح يُكثر من ذكر الأمثلة على هذا النحو، ثم يوجّهه بأنه أوردها في الشواهد؛ ليكثر طرق الحديث، وليُنبّه على المخالفة فيه، انظر مثلًا "غرر الفوائد المجموعة" الأرقام ١٤ و ١٥ و ١٧ و ١٨ وغيرها.

ومنها: ما أخرجه من حديث يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، ورافع بن خَدِيج في حديث القسامة وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتحلفون خمسين يمينًا، فتستحقّون صاحبكم، أو قاتلكم؟ "، قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا"، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفّار؟ فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك أعطى عقله (٢).

فقد أخرجه من طرق عن يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار به، وأخرجه من طريق سعيد بن عبيد، حدثنا بُشَير بن يسار الأنصاريّ، عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره أن نفرًا منهم انطلقوا إلى خيبر، فتفرّقوا فيها، فوجدوا أحدهم قتيلًا، قال: وساق الحديث، وقال فيه: فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة (٣).

ففي هذه الرواية علة، حيا ذُكر فيها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سألهم البينة، مع أنها لم تأت في الحديث، وحذف موضع حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القسامة، وهي الثابتة في الحديث، فاكتفى مسلم في "الصحيح" بإيراد الإسناد، وأول القصّة، وحذف موضع العلة منه.

وقد ذكر رواية سعيد بن عبيد هذه بتمامها في كتابه "التمييز"، ومثّل بها للحديث الذي نُقل على الوهم في متنه، ولم يُحفظ، ومما قاله فيه بعد كلام طويل: ما نصّه: فقد ذكرنا جملة من أخبار أهل القسامة في الدم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلها مذكور فيها سؤال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إياهم قسامة خمسين يمينًا، وليس في شيء من أخبارهم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سألهم البينة، إلا ما ذكر سعيد بن عبيد في خبره، وترك سعيد القسامة في الخبر، فلم يذكره، وتواطؤ هذه الأخبار التي ذكرناها بخلاف رواية سعيد يقضي على سعيد بالغلط والوهم في خبر القسامة. انتهى (٤).

ومنها: ما أخرجه من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنس


(١) "فتح" ٢/ ١١٨.
(٢) "صحيح مسلم" ٣/ ١٢٩١ - ١٢٩٢.
(٣) "صحيح مسلم" ٣/ ١٢٩٤.
(٤) "التمييز" ص ١٤٤ - ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>