للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبره لسوّينا بينه وبين الفاسق، ولخلا التخصيص به عن الفائدة. قال: والتثبّت والتبيّن متقاربان، وهما طلب الثبات والبيان والتعرّف. انتهى (١).

وقال الشوكانيّ رحمه اللهُ تعالى: المراد من التبيّن: التعرّف، والتفحّص، ومن التثبّت: الأناة، وعدم العجلة، والتبصّر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتّضح ويظهر. انتهى (٢).

(أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا) مفعول له: أي خشية أن تصيبوا، وقيل: التقدير: لئلا تُصيبوا قومًا بالقتل والسبي (بِجَهَالَةٍ) حال من الفاعل: أي جاهلين. وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: وقوله: "أن تصيبوا قومًا بجهالة" مفعول له: أي كراهة أن تصيبوا، أو لئلا تصيبوا؛ لأن الخطأ ممن لم يتبيّن الأمرَ، ولم يتثبّت فيه هو الغالب، وهو جهالة؛ لأنه لم يصدر عن علم، والمعنى متلبسين بجهالة بحالهم. انتهى (٣) (فَتُصْبِحُوا) أي تصيروا (عَلَى مَا فَعَلْتُمْ) من الخطإ بالقوم (نَادِمِينَ) [الحجرات: ٦] أي مغتمّين غما لازما، فالندم غمّ يصحب الإنسان صحبة لها دوام على ما وقع مع تمنّي أنه لم يقع (٤).

وقال الإمام ابن كثير رحمه اللهُ تعالى في "تفسيره" ٤/ ٢٠٩ عند شرح هذه الآيات: ما نصّه:

يأمر الله تعالى بالتثبت في خبر الفاسق؛ ليحتاط له؛ لئلا يُحكم بقوله، فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال؛ لاحتمال فسقه في نفس الأمر، وقبلها آخرون؛ لأنا إنما أُمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق؛ لأنه مجهول الحال.

(وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢]) في محل رفع على أنه صفة لرجل وامرأتين من قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} قيل: هذا الخطاب للحُكّام. وقيل: بل هو لجميع الناس، لكن الملتبس بهذه القضية إنما هم الحكام، وهذا كثير في كتاب الله، يعم الخطاب فيما يتلبس به البعض. وهذا القول الثاني، هو ارتضاه ابن عطية وغيره، كما نقله القرطبي في "تفسيره" ٣/ ٣٩٥.

(وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]) أي على الرجعة إذا عزمتم عليها، كما رواه أبو داود، وابن ماجه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يُطلّق المرأة، ثم يقع بها، ولم يُشهد على طلاقها، ولا على


(١) انظر "تفسير النسفي" ٤/ ١٦٨.
(٢) انظر "الفتح القدير" ٥/ ٦٠.
(٣) المصدر السابق.
(٤) انظر "حاشية الجمل على الجلالين" ٤/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>