للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي أشار إليه النوويّ هنا قد أوضحه في "التدريب"، ودونك عبارته.

قال: إذا كان الحديث عنده عن اثنين، أو أكثر، واتفقا في المعنى دون اللفظ، فله جمعهما في الإسناد، ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما، فيقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، أو هذا لفظ فلان، قال، أو قالا: أخبرنا فلان، ونحوه من العبارات، ولمسلم رحمه الله تعالى في "صحيحه" عبارة حسنة، كقوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو سعيد الأشجّ، كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد، عن الأعمش، فظاهره حيث أعاده ثانيًا أن اللفظ لأبي بكر، قال العراقي: ويحتمل أنه أعاده لبيان التصريح بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح. فإن لم يخص أحدهما بنسبة اللفظ إليه، بل أتى ببعض لفظ هذا، وبعض لفظ الآخر، فقال: أخبرنا فلان وفلان، وتقاربا في اللفظ، أو والمعنى واحد، قالا: حدثنا فلان جاز على جواز الرواية بالمعنى، دون ما إذا لم يجوزها. قال ابن الصلاح. وقول أبي داود. حدثنا مسدد، وأبو توبة المعنى، قالا: حدثنا أبو الأحوص، يحتمل أن يكون من قبيل الأول، فيكون اللفظ لمسدد، ويوافقه أبو توبة في المعنى، ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني، فلا يكون أورد لفظ أحدهما خاصة، بل رواه عنهما بالمعنى، قال: وهذا الإحتمال يقرب في قول مسلم: المعنى واحد. فإن لم يقل: "وتقاربا في اللفظ"، فلا بأس به، على جواز الرواية بالمعنى، وإن كان قد عيب به البخاري وغيره.

وإذا سمع من جماعة كتابا مصنفا، فقابل نسخته بأصل بعضهم دون الباقي، ثم رواه عنهم كلهم، وقال: اللفظ لفلان المقابَلِ بأصله، فيحتمل جوازه كالأول؛ لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن يذكر أنه بلفظه، ويحتمل منعه؛ لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين، حتى يخبر عنها، بخلاف ما سبق، فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى، قاله ابن الصلاح، وحكاه أيضًا العراقي، ولم يرجح شيئا من الإحتمالين. وقال البدر بن جماعة في "المنهل الرَّوِيّ": يحتمل تفصيلا آخر، وهو النظر إلى الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم يجز، وإن كان تفاوتها في ألفاظ، أو لغات، أو اختلاف ضبط جاز. انتهى (١).

وإلى هذه القاعدة أشار الحافظ السيوطيّ رحمه الله تعالى في "ألفيّة الأثر" حيث قال:

وَمَنْ رَوَى مَتْنًا عَنَ أشْيَاخٍ وَقَدْ ... تَوَافَقَا مَعْنًى وَلَفْظٌ مَا اتَّحَدْ


(١) راجع "تدريب الراوي" ٢/ ١١١ - ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>