للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم، وأنا شاهد، وما قلت: "أخبرني" فهو ما قَرأت على العالم. ورواه البيهقي في "المدخل" عن سعيد بن أبي مريم، وقال: عليه أدركت مشايخنا، وهو قول الشافعي، وأحمد. قال ابن الصلاح: وهو حسن رائق. قال العراقي: وفي كلامهما أن القارئ يقول: أخبرني، سواء سمعه معه غيره أم لا. وقال ابن دقيق العيد في "الإقتراح": إن كان معه غيره قال: أخبرنا، فَسَوَّى بين مسألتي التحديث والإخبار. قال السيوطيّ: الأول أولى؛ ليتميز ما قرأه بنفسه، وما سمعه بقراءة غيره.

فإن شك الراوي هل كان وحده حالة التحمل، فالأظهر أن يقول: حدثني، أو يقول: أخبرني، لا حدثنا، وأخبرنا؛ لأن الأصل عدم غيره.

وكل هذا مستحب باتفاق العلماء، لا واجب، ولا يجوز إبدال حدثنا بأخبرنا، أو عكسه في الكتب المؤلفة، وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف، لا في نفس ذلك التصنيف بأن يغير، ولا فيما يُنقل منه إلى الأجزاء والتخاريج، وما سمعتَه من لفظ المحدث فإبداله على الخلاف في الرواية بالمعنى، فإن جوزناها جاز الإبدال، إن كان قائله يرى التسوية بينهما، ويُجَوِّز إطلاق كليهما بمعنى، وإلا فلا يَجُوز إبدال ما وقع منه، ومنع الإمام أحمد بن حنبل الإبدال جزما (١).

وإلى ما تقدّم أشار الحافظ السيوطيّ رحمه الله تعالى في "ألفيّة الأثر"، حيث قال:

وَاسْتَحْسَنُوا لِمُفْرَدٍ "حَدَّثَنِي" ... وَقَارِىءٍ بِنَفْسِهِ "أَخْبَرَنِي"

وَإِنْ يُحَدِّثْ جُمْلَةً "حَدَّثَنَا" ... وَإِنْ سَمِعْتَ قَارِئًا "أَخْبَرَنَا"

وَحَيْثُ شُكَّ فِي سَمَاعٍ أَوْ عَدَدْ ... أَوْ مَا يَقُولُ الشَّيْخُ وَحِّدْ فِي الأَسَدْ

وَلَمْ يُجَوَّزْ مِنْ مُصَنَّفٍ وَلَا ... مِنْ لَفْظ شَيْخٍ فَارِقٍ أَنْ يُبْدَلَا

"أَخْبَرَ" بِالتَّحْدِيثِ أَوْ عَكْسٌ بَلَى ... يَجُوزُ إِن سَوَّى وَقِيلَ حُظِلَا

قال النوويّ رحمه الله تعالى: ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة، كقوله: حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، قال: أو قالا: حدثنا فلان، وكما إذا كان بينهما اختلاف فى حرف من متن الحديث، أو صفة الراوي، أو نسبه، أو نحو ذلك، فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى، وربما كان في بعضه اختلاف فى المعنى، ولكن كان خفيا، لا يَتَفَطَّن له إلا ماهر في العلوم التي ذكرتها فى أول الفصل، مع اطلاع على دقائق الفقه، ومذاهب الفقهاء.


(١) راجع "التدريب" ٢/ ٢٠ - ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>