للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألقي إليه من صحيح الآثار. وقال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هما بالخاء المعجمة: أي يكتم عني أشياء، ولا يكتبها، إذا كان عليه فيها مقال من الشِّيَع المختلفة، وأهل الفتن، فإنه إذا كثبها ظهرت، وإذا ظهرت خُولف فيها، وحصل فيها قال وقيل، مع أنها ليست مما يلزم بيانها لابن أبي مليكة، وإن لَزِمَ فهو ممكن بالمشافهة دون المكاتبة. قال: وقوله: "ولد ناصح" مشعر بما ذكرته، وقوله: "أنا أختار له، وأُخفي عنه" إخبار منه بإجابته إلى ذلك. ثم حَكَى الشيخ الرواية التي ذكرها القاضي عياض، ورجّحها، وقال: هذا تكلف، ليست به رواية متصلة، نضطر إلى قبوله. هذا كلام الشيخ أبي عمرو. قال النوويّ: وهذا الذي اختاره من الخاء المعجمة هو الصحيح، وهو الموجود في معظم الأصول الموجودة بهذه البلاد. والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي اختاره ابن الصلاح، وتبعه عليه النوويّ رحمهما الله تعالى هو الأرجح عندي؛ لأن الذي رجحه القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى فيه تكلّف لا يخفى، فتأمّل. والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ) ابن عبّاس رضي الله عنهما (وَلَدٌ نَاصِحٌ) خبر لمحذوف: أي هو ولدٌ ناصحٍ: أي مُخلص وصادق في طلبه. قال في "المصباح": نصحتُ لزيد، أنصَحُ نُصْحًا، ونَصِيحةً، هذه هي اللغة الفصيحة، وعليها قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ} [هود: ٣٤]. وفي لغة يتعدّى بنفسه، فيقال: نصحته، وهو: الإخلاص، والصدق، والْمَشُورةُ، والعملُ، والفاعل: ناصحٌ، ونَصِيحٌ، والجمعُ نُصَحَاءُ. انتهى (٢).

(أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الْأُمُورَ اخْتِيَارًا) أي أكتب إليه المنتخب الخالص المناسب لحاله (وَأُخْفِي عَنْهُ) أي أكتم عنه ما لا يستفيد به، أو يحصل له بسببه ضرر (قَالَ) ابن أبي مليكة (فَدَعَا) ابن عباس (بِقَضَاءِ عَلِيّ) بن أبي طالب: أي بالكتاب الذي جُمع مما قضى به عليّ عليه السلام في الكوفة، وغيرها (فَجَعَلَ) أي شرع ابن عباس رضي الله عنهما (يَكْتُبُ مِنْهُ) أي من قضاء عليّ عليه السلام (أَشْيَاءَ) أي مما يوافق طلب ابن أبي مليكة (وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيْءُ) أي الذي لا يليق بمقام عليّ من العلم بالقضاء، واتّصافه بالورع، مما يخالف الأدلة من الكتاب والسنّة الصحيحة (فَيَقُولُ) ابن عباس (وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ) -رضي الله عنه- (إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَلَّ) قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى: المعنى: أنه لا يقضي به إلا ضالّ، وعليّ عليه السلام غير ضالّ، فلا يصحّ أن يكون قضى به، لا أنه حَكَم بضلاله إن صحّ أنه قضى به، أو يكون الضلال هنا بمعنى الخطإ، كما قال تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ


(١) "شرح مسلم" ١/ ٨٢ - ٨٣.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>