للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّالِّينَ} [لشعراء: ٢٠]: أي من المخطئين. وقيل: من الناسين. انتهى (١).

وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: معناه: ما يقضي بهذا إلا ضالّ، ولا يقضي به عليّ عليه السلام، إلا أن يُعرَف أنه ضل، وقد عُلِمَ أنه لم يضل، فيعلم أنه لم يقض به. والله أعلم. انتهى (٢).

وكتب صاحب "فتح الملهم": ما حاصله: يحتمل أن يكون "ضلّ" بمعنى أخطأ، أو نسي، وهو أيضًا بعيد؛ إذ لم يُؤْلَف من عليّ عليه السلام مثلُ هذا الخطإ الفاحش، والنسيان المفرط في مثل هذا. والله أعلم.

وبالجملة رَدَّ ابن عبّاس رضي الله عنهما بعض أجزاء ذلك الكتاب التي كانت قطعيّة البطلان عنده، وكان هذا منه جريًا على سنّة القرآن التي هدى الله سبحانه وتعالى إليها في ردّ الروايات والنقول المقطوع بخلافها، حيث قال في قصّة الإفك: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: ١٢]، ثم قال بعد آيات: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦]. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن ابن عبّاس رضي الله عنهما أراد أن هذا الشيء المكتوب في ذلك الكتاب ليس مما قضى به عليّ عليه السلام، وإنما هو مما زاده أعداؤه من الروافض والشيعة، واختلقوه وقوّلوه به، وهو -رضي الله عنه- بريء منه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(مسألة): تتعلّق بأثر ابن عبّاس رضي الله عنهما هذا:

(اعلم): أنه اشتمل هذا الأثر على فوائد كثيرة:

(منها): جواز كتابة العلماء بالعلم إلى البلدان النائية، وقد اختلف الصدر الأول في جواز كتابة الحديث، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك على جوازها.

واحتجّ المانعون بما أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني، ولا حرج، ومن كذب عليّ- قال همام (٤): أحسبه قال: متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".


(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٢١ - ١٢٢.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٨٣.
(٣) راجع "فتح الملهم" ١/ ١٢٩.
(٤) هو همّام بن يحيى العوذيّ البصريّ، أحد رُواة هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>