للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسم رجل من أولاد الحسين، وقد مات في ذلك الزمان، فزعموا أنه ما مات، بل هو حيّ، فرّ من أيدي الناس إلى غار "سُرَّ من رأى"، فاعتكف فيه، ويقول: "لن نبرح الأرض": أي لن نخرج من غار "سُرَّ من رأى" "حتى يأذن لي أبي"، وهو عليّ -رضي الله عنه-؛ لأنه أيضًا فرّ من أيدي الناس، وسكن في السحاب، فإذا ناداني أن أخرج إليهم أخرج، وكذلك لو حكم الله لي بالخروج أخرج، فيقولون: هذا المهديّ هو عين المهديّ الموعود به في آخر الزمان، يخرج بأمر عليّ -رضي الله عنه-، أو بأمر الله تعالى من الغار. وهذا هو التأويل الذي أراده جابر بقوله: لم يجىء تأويل هذه الآية. (وَكَذَبَ) في هذا الزعم الباطل، فإنه خطير ضلالاتهم، وعظيم جهالاتهم اللائقة بأذهانهم السخيفة، وعقولهم الواهية، فإن الآية جاء تأويلها في زمن يوسف عليه السلام، كما قال سفيان رحمهُ اللهُ تعالى (كَانَت) الآية (فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ومضى تأويلها.

[تنبيه]: تأويل الآية الكريمة: قوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}: أي ألزمها، ولا أبرح مقيمًا فيها، يقال: برِح بَراحًا، وبُرُوحًا: أي زال، فإذا دخل النفي صار مثبتًا. {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} بالرجوع، فإني أستحيي منه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بالممرّ مع أخي، فأمضي معه إلى أبي. وقيل: المعنى: أو يحكم الله لي بالسيف، فأحارب، وآخذ أخي، أو أعجز، فأنصرف بعذر، وذلك أن يعقوب عليه السلام قال: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}، ومن حارب وعجز، فقد أُحيط به. قاله القرطبيّ في "تفسيره" (١). وقال النسفيّ: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}: أي فلن أفارق أرض مصر {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في الانصراف إليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بالخروج منها، أو بالموت، أو بقتالهم {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} لأنه لا يحكم إلا بالعدل. انتهى (٢). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:

٦٤ - (وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا).

هذا الإسناد هو الإسناد الماضي.

[تنبيه]: قال أبو عليّ الغسانيّ الجيانيّ رحمهُ اللهُ تعالى: سقط ذكر "سلمة بن شبيب" بين مسلم والحميديّ عند ابن ماهان، والصواب رواية الْجُلُوديّ بإثباته، فإن مسلما لم يَلْقَ الحميديّ. قال أبو عبد الله بن الحذّاء، أحد رواة كتاب مسلم: سألت عبد الغنيّ بن


(١) راجع "الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٢٤٣.
(٢) "تفسير النسفيّ" ٢/ ٢٣٣ - ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>