للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلب العلم في ذلك الوقت، فكيف يدّعي السماع منهم.

[تنبيهات]:

(الأول): طاعون الجارف سُمّي بذلك؛ لكثرة من مات فيه من الناس، وسمى الموت جارفًا؛ لاجترافه الناس، وسُمّي السيل جارفًا؛ لاجترافه على وجه الأرض، والْجَرْف: الْغَرْف من فوق الأرض، وكَشْحِ ما عليها.

(الثاني): الطاعون: وباء معروف، وهو بَثْرٌ، ووَرَمٌ مُؤلِم جدّا، يَخرُج مع لَهَبٍ، ويَسْوَدُّ ما حوله، أو يَخْضرّ، أو يَحْمَرّ حمرة بَنَفْسَجِيّة، كَدِرة، ويحصل معه خَفَقَان القلبِ، والقيءُ.

(الثالث): أنه اختَلَف العلماء رحمه الله تعالى في زمن طاعون الجارف على أقوال، اختلافا شديدًا، متباينا تباينا بعيدًا، فمن ذلك ما قاله الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في أول "التمهيد": قال: مات أيوب السختياني في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، في طاعون الجارف. ونقل ابن قتيبة في "المعارف" عن الأصمعيّ أن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين. وكذا قال أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب "التعازي": إن الطاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما، سنة سبع وستين في شوال. وكذا ذكر الكلاباذيّ في كتابه في رجال البخاريّ معنى هذا، فإنه قال: وُلد أيوب السختياني سنة ست وستين، وفي قول: إنه وُلد قبل الجارف بسنة. وقال القاضي عياض في هذا الموضع: كان الجارف سنة تسع عشرة ومائة. وذكر الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ في ترجمة عبد الله بن مطرف، عن يحيى القطان قال: مات مطرف بعد طاعون الجارف، وكان الجارف سنة سبع وثمانين. وذكر في ترجمة يونس بن عبيد أنه رأى أنس بن مالك، وأنه وُلد بعد الجارف، ومات سنة سبع وثلاثين ومائة. فهذه أقوال متعارضة، فيجوز أن يجمع بينها بأن كل طاعون من هذه يُسمى جارفًا؛ لأن معنى الْجَرْف موجود في جميعها، وكانت الطواعين كثيرة، ذكر ابن قتيبة في "المعارف" عن الأصمعيّ أن أول طاعون كان في الإسلام طاعون عمواس بالشام، في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فيه تُوُفّي أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-، ومعاذ بن جبل، وامرأتاه، وابنه رضي الله عنهم. ثم الجارف في زمن ابن الزبير، ثم طاعون الفتيات؛ لأنه بدأ في العذارِي والجواري بالبصرة، وبواسط، وبالشام والكوفة، وكان الحجاج يومئذ بواسط، في ولاية عبد الملك بن مروان، وكان يقال له: طاعون الأشراف، يعنى لما مات فيه من الأشراف. ثم طاعون عديّ بن أرطاة سنة مائة. ثم طاعون غُرَاب سنة سبع وعشرين ومائة. وغراب رجل. ثم طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائة، في شعبان، وشهر رمضان، وأقلع في شوال، وفيه مات أيوب

<<  <  ج: ص:  >  >>