للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول مخترع، لم يُسبَق قائله إليه، وأنَّ القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديما وحديثًا، أنه يَكفِي في ذلك أن يحبت كونهما في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها". قال: "وفيما قاله مسلم نظر ثم قال: "وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني، والبخاري، وغيرهما (١). انتهى.

قال ابن رُشيد: وقد تبع مسلما على مذهبه فرقة من المحدثين، وفرقة من الأصليين، منهم: القاضي الإمام أبو بكر بن الطيب الباقلاني المالكي -فيما حكاه القاضي أبو الفضل عنه- وأبو بكر الشافعي الصيرفي -فيما حكى ابن الصلاح عنه- أنه قال: "كل من علم له سماع من إنسان، فحدث منه فهو على السماع، حتى يُعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه، وكل من عُلِم له لقاء إنسان، فحدث عنه فحكمه هذا الحكم"، قال: "وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه".

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا نقل ابن رُشيد كلام الصيرفيّ، وعدّه ممن تبع مسلمًا في مذهبه، لكن من أين له ذلك؟ ، فإن هذا الكلام صريح فيمن له سماع أو لقاء، لا فيمن عاصر فقط، فليُتَنبّه. والله تعالى أعلم.

قال ابن رشيد: ولا شك أنه مذهب مُتَساهَل فيه، نعم لو علمنا من كل واحد واحد من رواة ذلك الحديث أنه لا يُطلِق "عن" إلا في موضع الاتصال، ولا يُجيز غير ذلك، أو صح فيه إجماع من الرواة كلِّهم، وعُرِف لا ينخرم ضبطه، ولكن ذلك لم يثبت، نعم قد يُسلّم المنصف أنه كثير، ولا يلزم من كثرته الحكم به مطلقا؛ لوجود الاحتمال.

قال الجامع: قوله: "مذهب مُتساهَلٌ فيه" إن أراد به ما نقله عن مسلم ومن قال بقوله فمسلم، وإن أراد ما نقله عن الصيرفيّ، ففيه نظر لا يخفى؛ لأنه هو المذهب الذي عزاه إلى البخاريّ ومن معه، إذ عزا إليهم اشتراط اللقاء، وهو عين ما نقله عن الصيرفيّ، فتبصّر. والله تعالى أعلم.

(المذهب الخامس): اصطلاحٌ حَدَثَ عند المتأخّرين.

قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: وكَثُرَ في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال "عن" في الإجازة، فإذا قال أحدهم: "قرأت على فلان عن فلان"،


(١) وقد سبق هذا الكلام للقاضي عياض، فلا تنسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>