للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو نحو ذلك فَظُنَّ (١) به أنه رواه عنه بالإجازة. قال: "ولا يُخرجه ذلك من قبيل الاتصال على ما لا يخفى.

قال ابن رُشيد: وهذا اصطلاحٌ تواضع عليه قومٌ فلا نحتاج له إلى تكلف احتجاج، وكأن هؤلاء استشعروا أن الإجازة آخذة بشوب من الانقطاع، إذ لابد في الإجازة المجردة عن المناولة لذلك الشيء بعينه، أو كتابته بعينه من الاعتماد على الوجادة، أو بلوغ ذلك إليه بنقل الآحاد العدول، أو الاستفاضة، أو التواتر، فكأنهم رأوا أن إلغاء الْمُبَلِّغ يُدخِله شوبًا من الإرسال، فلذلك استعملوا فيها "عن" التي قد تستعمل في الإرسال، على أن الإمام أبا عمرو بن الصلاح أبي أن يكون في الإجازة انقطاع، وقال: "ليس في الإجازة ما يَقدَح في اتصال المنقول بها، وفي الثقة به".

قال ابن رُشيد: وما اختاره هو الذي لا يَتّجِه غيره عند مُجِيزي الإجازة المطلقة، وجاعليها إخبارا في الجملة، وهو الذي اعتمده الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، فإنه يقول -فيما يروي بالإجازة-: أخبرنا مطلقا من غير ذكر إجازة؛ لأنه يراها إخبارا في الجملة زَمَنَ الإجازة، ثم يحصل العلم له بالتفصيل في ثاني حال. انتهى المقصود من كلام ابن رُشيد رحِمَهُ الله تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بعد أن قدمنا مذاهب أهل العلم في حكم العنعنة، كالتمهيد لبيان كلام المصنّف رحِمَهُ الله تعالى، فلنورد كلامه في ذلك مفصّلًا مشروحًا، فنقول: قال رحِمَهُ الله تعالى:

(وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ، مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، فِي تَصْحِيحِ الْأَسَانِيدِ، وَتَسْقِيمِهَا، بِقَوْلٍ لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ، وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا، لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا، وَمَذْهَبًا صَحِيحًا، إِذِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ، وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ، وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإِ الْمُخْطِئِينَ، وَالْأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى عَلَى الأَنَامِ، وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ -إِنْ شَاءَ اللهُ-)


(١) أمر بالظنّ: أي ظُنّ أيها المحدث بذلك الإطلاق أنه أراده الإجازة.
(٢) راجع رسالته "السَّنَن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن" ٤١ - ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>