للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج أحمد في "مسنده" ٣/ ٣٦٨ عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: "كنا نعزل ... " قال شعبة: قلت لعمرو: أأنت سمعته من جابر؟ قال: لا. انتهى. وهذا هو التدليس.

وأخرج الحميديّ في "مسنده" ٢/ ٥٢٨ قال: حدثنا سفيان، ثنا عمرو، قال: قال جابر: "أطعمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الخيل ... ". وحدثنا سفيان، ثنا عمرو قال: قال جابر بن عبد الله: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة". قال سفيان: وكلّ شيء سمعته من عمرو بن دينار قال لنا فيه: سمعت جابرًا، إلا هذين الحديثين، فلا أدري بينه وبين جابر فيهما أحدٌ أم لا؟ . انتهى.

والحاصل أن عمرو بن دينار ممن ثبت تدليسه، فلا تقبل عنعنته، بل لا بدّ من تصريحه بالسماع في الطريق الناقصة، حتى يُقال: إن الزائدة من المزيد في متّصل الأسانيد، ولذلك قال الحافظ في "الفتح": والحقّ أنه إن وُجدت رواية فيها تصريح عمرو بالسماع من جابر، فتكون رواية حماد من المزيد في متّصل الأسانيد، وإلا فرواية حماد بن زيد هي المتّصلة. انتهى (١).

وأما قول ابن حبّان في "صحيحه" (٥٢٦٨) بعد أن أخرج رواية سفيان: ما نصّه: يشبه أن يكون عمرو بن دينار لم يسمع هذا الخبر من جابر، لأن حماد بن زيد رواه عن عمرو، عن محمد بن عليّ، عن جابر، ويَحتمل أن يكون عمرو سمع جابرًا، وسمع محمد بن عليّ، عن جابر. انتهى.

فهذا الاحتمال الثاني إنما ينفع فيمن لم يوصف بالتدليس، وأما من وُصف بالتدليس كعمرو بن دينار، فإنه يُحمل على أنه مما دلّسه، فتكون رواية سفيان الناقصة منقطعة؛ لما أسلفناه من الأدلة.

وقد شرط مسلم في الأحاديث التي ساقها لإلزام خصمه سلامة رواتها من التدليس، وهذا الحديث لم يسلم منه.

والحاصل أن تعقّب ابن رُشيد ترجيح المصنّف لرواية حماد الزائدة على رواية سفيان الناقصة لا وجه له، بل ما رآه المصنّف هو الحقّ؛ لما أسلفناه.

لكن احتجاجه لإلزام خصمه بمثل هذا، وإن كان الإرسال فيه راجحًا -كما رآه- غير مسلّم؛ لأن ترجيح الإرسال هنا حكم جزئيّ فلا يكفي لبناء القاعدة الكليّة، وقد


(١) راجع "الفتح" ٩/ ٨٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>