تَغَوَّلتُ البَادِيَةَ، فلما صِرت إلى حَيٍّ مِنْ كَلْب إذا رِجَالٌ مُجْتَمِعُون وشَيخٌ جَالِس في صدر المَجْلِس، فقام رجل منهم فقال: مَنْ يَزِيد؟ فَسَلَّمتُ، فَرَدُّوا السلام، فقلت: عَلى أي شيء تزَايدُون؟ قال: على بِنْتِ سَيدِنا. فقلتُ: أَتقْبلُون غَريبًا يَدخُل في سَوْمِكُم هذا؟ فقال الشيخ: إن كنتَ كريمًا فادْخُل؟ فقلت: أنا الهُذَيْل بن تَوْلِب العُكْلِي، قال: كُفْؤٌ كَريم، فقال رجُل: عَلَيَّ خَمْسونَ نَاقَة، فقلتُ: عَلَيَّ سِتُّون، فلم نَزَل نَتَزَايَد حتى قلتُ: عليَّ خَمسون ومائة، فقال الشيخُ: اشهدوا أني قد زَوَّجتُ ابْنَتِي فلانة على خمسين ومائة ناقة، قال: فرجعت إلى أهلي حتى جمعتها، فَجئتُه بها، فلما رآني قال لِغِلْمَانِه: اضربوا له قُبَّة أدم وافرشوا له فيها، فلما كان الليل إذا النساء قد أقبلن كأنهن الكواكب، وفي وسطهن جاريةٌ كأنها البَدر، فَسَلَّمْن عليَّ وقَعَدْنَ عِندي، ثم قُمْنَ فَقُلن لها: اسْتَوصِي به خيرًا؛ فإنه نَائِي الوَطن، فعجبتُ مِنْ وصاتهن بي، وأن لا يَكُنَّ أَوْصَيْنَنِي أنا بها، فقمتُ فَصلَّيتُ أَربع ركعات، ثم ضَربتُ بِيَدِي إليها، فَغَمزَتْ يَدِي غَمْزةً ظَننتُ أَنْ قَدْ وَقَعت أَصابعي، فَصِحتُ، فَأَطْلَقَتْنِي فَمَكَثْتُ سَاعَةً أُقَلِّب كَفِّي، ثُم نَظرتُ إلى شِيءٍ رَاعَنِي، فَضربتُ بيدي إليها، فَغَمزَتْ ذِرَاعِي غَمْزةً بِإصَبِعِها فَظَننتُ أَنَّ الذِرَاعَ قَدْ انْكَسَر، فَصِحْتُ، فَأطلقَتْني، ثم قلت في نفسي: ويَلك يا هُذَيْل، امرأةٌ تَفعل بك هذا؟ فقمت فأخذتُ بِعَضُدَيْها فَأخَذتْ هي بِعَضُدِي، ثم أخذتْ مِنْ رَأسِها خِمارًا كان عليها، ثم كَتفَتني به ثم رَمَت بي في مُؤَخِّر الفراش ونَامَت، فلم أزل مَكتُوفًا حتى انْفَجَر عَمُودُ الصُّبْح، فقلت: وَيحَكِ، حُلِّيني فقد أبلغتِ إليَّ، فَحَلَّتْني، وأقبل النِسْوَةُ فقلن: كيف كان مَبِيتُك؟ قلت: بِشَرِّ مَبِيْتٍ، ما زِلتُ مَكتُوفًا حتى أصبحتُ، فَعَذَلْنَها على ذلك، فما الْتَفَتتْ لِكلامِهن، فَخرَجْتُ فأتيتُ أبَاها فقلتُ: إني أريدُ أَهْلِي، قال: سبحان الله! أَقِم عندنا أُسْبُوعًا، قلت: ما إلى ذلك سَبِيل، فدخل إلى أُمِّها فقال: هَيِّئِي ابنتَك، فَإنَّ الرَجُلَ رَاحِلٌ، فهُيِّئ لَها بَعِيرٌ