- إلا بهذا». والثاني : من جهة عدم تسمية من حدث عنه الحارث حتى اعتبره الترمذي بسبب ذلك منقطعا، حيث قال : «لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بمتصل». وهذا الحديث مما يكثر استعماله في كتب أصول الفقه لما يدل عليه من اعتبار الاجتهاد ضمن الأدلة الشرعية. والأصوليون بشأنه على طرفي نقيض : فمنهم الظاهرية ممن ينكرون القياس ويمثلهم ابن حزم وقد هول أسباب ضعف الحديث بغاية إبطاله بل ابتدأ الكلام عنه بقوله (الإحكام : ٧/ ٤١٧) : «هذا حديث ساقط» ولم يزد في ذكر سبب إطلاق هذا اللقب على ما ذكرناه من الملحظين السابقين ثم عطف عليهما بالقدح في متنه بما يستدل به في كتبه عادة على إبطال القياس والاجتهاد. ومنهم جمهور الأصوليين، وجلهم يستدل به من غير نظر في سنده اكتفاء بشهرته، واعتمادا على عمل أئمتهم بموجبه. وقد ذكر الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (١/ ١٨٩ - ١٩٠) ما ينجبر به سبب انقطاع هذا الحديث، وهو قوله : «إن قول الحارث بن عمرو «عن أناس من أصحاب معاذ» يدل على شهرة الحديث وكثرة رواته، وقد عرف فضل معاذ وزهده والظاهر من حال أصحابه الدين والتفقه والصلاح». كما ذكر ما يعاضد انفراد الحارث به، ولكنه أورد العاضد من غير إسناد بل بصيغة التمريض «قيل»، ونص كلامه : «وقد قيل : إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة». ثم أضاف الخطيب البغدادي الاستدلال على صحة الحديث بتلقي جمهور العلماء له بالقبول، ونص كلامه : «. . . على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «لا وصية لوارث» وقوله في البحر : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (. . . الخ وذكر أحاديث، ثم قال : ) وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة أغنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا أغنوا عن طلب الإسناد له».