المنعوتة في كتاب الله، من توكيده عليهم في حال نبيّه. وذلك يؤذن عن غشّ صدورهم، وسوء مأخذهم، وقساوة قلوبهم، بأن عملوا أوزارهم وحملوها، وكتموا ما أكده الله عليهم فيها بأن يظهروه، ولا يكتموه، ويعرفوه، ولا يجحدوه. فعملت الأمم بخلاف ما كانت الحجة به عليهم؛ فلم يرعوه حقّ رعايته، ولم يأخذوا في ذلك بالآثار المحدودة، وأجمعوا على العداوة لله ورسوله، والتأليب عليهم، والتزيين للناس بالتكذيب والحجة ألّا يكون الله أرسله إلى الناس بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، يبشر بالجنة من أطاعه، وينذر بالنار من عصاه. فقد حملوا من ذلك أكثر ما زيّنوا لأنفسهم من التكذيب، وزينوا للناس [من مخالفة] فعله، ودفع رسالته، وطلب الغائلة له، والأخذ عليه بالمرصاد.
فهمّوا برسول الله، وأرادوا قتله، وأعانوا المشركين من قريش وغيرهم على عداوته، والمماراة في نقضه وجحوده، واستوجبوا بذلك الانخلاع من عهد الله، والخروج من ذمّته. وكان من أمرهم في يوم حنين، وبني قينقاع، وقريظة، والنضير، ورؤسائهم، ما كان من موالاتهم أعداء الله من أهل مكة على حرب رسول الله، ومظاهرتهم إياهم بالمادّة من القوة والسلاح، إعانة على رسول الله وعداوة للمؤمنين.
خلا ما كان من أهل النصرانية: فلما لم يجيبوا إلى محاربة الله ورسوله، لما وصفهم الله من لين قلوبهم لأهل هذه الدعوة، ومسالمة صدورهم لأهل الإسلام. وكان فيما أثنى الله عليهم في كتابه، وما أنزله من الوحي، أن وصف اليهود وقساوة قلوبهم، ورقة قلوب أهل النصرانية إلى مودّة المؤمنين فقال: «لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدنّ أقربهم مودّة للّذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانا وأنّهم لا يستكبرون ...