الصّالحين» . وذلك أنّ أناسا من النصارى، وأهل الثقة والمعرفة بدين الله، أعانونا على إظهار هذه الدعوة، وأمدّوا الله ورسوله فيما أحبّ؛ من إنذار الناس وإبلاغهم ما أرسل به.
وأتاني السيد، وعبد يشوع، وابن حجرة، وإبراهيم الراهب، وعيسى الأسقف، في أربعين راكبا من أهل نجران، ومعهم من جلّة أصحابهم، ممن كان على ملّة النصرانية في أقطار أرض العرب وأرض العجم. فعرضت أمري عليهم، ودعوتهم إلى تقويته وإظهاره والمعونة عليه. وكانت حجة الله ظاهرة عليهم. فلم ينكصوا على أعقابهم، ولم يولّوا مدبرين، وقاربوا ولبثوا، ورضوه وأرفدوا وصدّقوا، وأبدوا قولا جميلا ورأيا محمودا، وأعطوني العهود والمواثيق، على تقوية ما أتيتهم به، والردّ على من أبي وخالفه؛ وانقلبوا إلى أهل دينهم، ولم ينكثوا عهدهم، ولم يبدّلوا أمرهم، بل وفوا بما فارقوني عليه، وأتاني عنهم ما أحببت من إظهار الجميل، وحلافهم على حربهم من اليهود، والموافقة لمن كان من أهل الدعوة، على إظهار أمر الله، والقيام بحجّته، والذبّ عن رسله. فكسّروا ما احتجّ به اليهود في تكذيبي، ومخالفة أمري وقولي.
وأراد النصارى من تقوية أمري. ونصبوا لمن كرهه، وأراد تكذيبه وتغييره، ونقصه وتبديله وردّه. وبعث الكتب إليّ كلّ من كان في أقطار الأرض، من سلطان العرب من وجوه المسلمين، وأهل الدعوة بما كان من تجميل رأي النصارى لأمري، وذبّهم عن غزاة الثغور في نواحيهم، والقيام بما فارقوني عليه وقبلته، إذ كان الأساقفة والرهبان لذلك منّة قوية في الوفاء بما أعطوني من مودّتهم وأنفسهم، وأكدوا من إظهار أمري، والإعانة على ما أدعو إليه وأريد إظهاره، وأن يجتمعوا في ذلك على من أنكر، أو جحد شيئا منه، وأراد دفعه وإنكاره، وأن يأخذوا على يديه ويستدلّوه، ففعلوا واستدلّوا واجتهدوا؛ حتى أقرّ بذلك مذعنا، وأجاب إليه طائعا