للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيحة الثابت تأخرها عنه، والدليل الوقوع.

أمَّا قولهم: إن المتواتر أقوى من الآحاد، والأقوى لا يُرفع بما هو دونه، فإنهم قد غلطوا فيه غلطًا عظيمًا مع كثرتهم وعلمهم.

وإيضاح ذلك: أنَّه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ؛ لإمكان صدق كل منهما في وقته، وقد أجمع جميع النظار أنَّه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما، أمَّا إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتها، فلو قلت: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس، وقلت -أيضًا-: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده، لكانت كل منهما صادقة في وقتها.

ومثال نسخ القرآن بأخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه: نسخُ إباحة الحمر الأهلية -مثلًا- المنصوص عليها بالحصر الصريح في آية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام/ ١٤٥] بالسنة الصحيحة الثابت تأخرها عنه؛ لأن الآية من سورة الأنعام وهي مكيَّة، أي نازلةٌ قبل الهجرة بلا خلاف، وتحريم الحمر الأهلية بالسنَّة واقع بعد ذلك في خيبر، ولا منافاة البتة بين آية الأنعام المذكورة وأحاديث تحريم الحمر الأهلية؛ لاختلاف زمنهما، فالآية وقت نزولها لم يكن محرَّمًا إلا الأربعة المنصوصة فيها، وتحريم الحمر الأهلية طارئ بعد ذلك، والطروء ليس منافاة لما قبله، وإنما تحصلُ المنافاة بينهما لو كان في الآية ما يدل على نفي تحريم شيء في المستقبل غير الأربعة المذكورة في الآية، وهذا لم تتعرض له الآية، بل الصيغة فيها مختصة بالماضي، لقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ}

<<  <   >  >>