للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان مدلولًا عليه باللفظ فلا مانع من نسخه دون أصله، والنسخِ به، وهذا قول الجماعة من أهل الأصول. قالوا: يجوز عقلًا أن ينسخ الضرب ويبقى التأفيف، كعكسه، مثلًا. قالوا: ولا مانع عقلًا من ذلك، وقد يأمر بعض الملوك بقتل إنسان محترم عنده جدًّا، فينهى عن التأفيف في وجهه وغير ذلك من الازدراء، مع أنه أمر بقتله، مع أن القتل أشدُّ إيذاءً من التأفيف وغيره من الازدراء.

وأكثر علماء الأصول على تلازمهما، أعني المنطوق والمفهوم، فلا يُنسخان إلا معًا، ولا يمكن نسخ أحدهما دون الآخر؛ لأن المفهوم تابم للمنطوق ولازم له، ورفع اللازم يقتضي رفع الملزوم، ورفع المتبوع يقتضي رفع التابع.

ومثال نسخ الفحوى والنسخ بها يذكرونه عادة على سبيل الفرض والتقدير، ويمكن عندي أن يمثل للنسخ بمفهوم الموافقة بما لو فرضنا أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليُّ الواجد ظلمٌ يُحِلُّ عرضه وعقوبته" ورد قبل نزول آية {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} وعُمِلَ به قبل نزولها، لأن التخصيص بعد العمل بالعام نسخٌ كما قدَّمنا.

وإيضاحُه: أن قوله في الحديث: "يحل عرضه" أي بقوله: مطلني، "وعقوبته" أي بالحبس، وعموم الحديث يشمل الوالد إذا مطل دين ولده وهو غني، وفحوى قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} تدلُّ على أنَّه لا يُحْبَسُ الوالد في دين عليه لولده؛ لأنَّ الحبس أشدُّ إيذاءً من التأفيف، فإنْ ورد هذا المخصِّص قبل العمل بالعام فهو تخصيص، وإلا فهو نسخ، وهو المقصود بالتقدير في المثال المذكور.

<<  <   >  >>