هذا هو حاصلُ ما ذكره المؤلف في هذا الفصل، وجميع ما فيه صواب.
والمقرر في أصول مالك وأبي حنيفة أنَّهما لا يقبلان رواية غير الفقيه، وبعضهم يقيده عن أبي حنيفة بما إذا خالفت رواية غير الفقيه القياس، وبهذه القاعدة ردُّوا كثيرًا من أحاديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه بدعوى أنَّه غير فقيه، وأن روايته مخالفة للقياس.
ومثال ذلك: ردُّهم لحديثه في المُصَرَّاة أنه يردها إذا حلبها وصاعًا من تمر.
والمرويُّ في أصول المالكية عن مالك عدم قبول رواية غير الفقيه مطلقًا، بدعوى أن غير الفقيه لا يوثق بفهمه الكلام على وجهه، فربما فهم غير المقصود لعدم فقهه، وربمَّا نقله بالمعنى فيقع بذلك الخلل في روايته.
ولا شك أنَّ هذا باطل من وجهين:
الأول: أنَّ عدالتَه تمنعه من أن يقول شيئًا لم يفهمه، ولم يجزم بفهمه، مع أن معنى الكلام الذي لا خفاء فيه ولا إجمال يفهمه على وجهه غير الفقيه كما لا يخفى.
الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه، وذلك نصٌّ في محل النزاع، وهو ثابت عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد روى زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "نضر اللَّه امرءًا سمع منَّا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس