للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنَّ الناسي غيرُ مكلَّف في جميع الشرائع، فيه عندي أمران:

أحدهما: أنَّ رفع إثم الناسي والمخطئ من غير هذه الأمة غيرُ مسلَّم؛ لورود أدلة تدلُّ على اختصاص هذه الأمة بعفو الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

منها: هذا الحديث الذي نحن بصدده، فقوله: "عن أمتي" يفهم منه أنَّ غيرها ليس كذلك.

ومنها: حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النارَ في ذباب قرَّبه لصنم، مع أنه مكره بالخوف من القتل؛ لأنَّهم قتلوا صاحبه لمَّا أبى عن ذلك.

ومنها: أنَّ قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة/ ٢٨٦] وقول اللَّه: "قد فعلت" كما ثبت في صحيح مسلم، يدلُّ على أنَّ المؤاخذة بالخطأ والنسيان كانت معهودة على من قبلنا، إذ لو كانت مرفوعة عن كلِّ أحد لما دعت ضرورة إلى ذلك الدعاء، وإظهار الكرامة بالإجابة بقوله: "قد فعلتُ"؛ فظاهرُ الامتنان أنَّه خاصٌّ بنا.

ويُستأنسُ لهذا بما ذكره البغوي عن الكلبى من أنَّ من قبلنا كانوا يؤاخذون بالخطأ والنسيان.

وقد قال اللَّه تعالى في آدم: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه/ ١١٥]، وقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)} [طه/ ١٢١]؛ فأضاف إليه العصيان والنسيان؛ فدلَّ على المؤاخذةِ به.

وأمَّا على القول بأنَّ "نسي" بمعنى ترك فلا دليل فى الآية.

<<  <   >  >>