أنَّ التحقيق -أيضًا- جوازُ تخصيص السنة بالكتاب، كما ذكرنا، خلافًا لِمَنْ منعه محتجًّا بقوله:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل/ ٤٤]، ومن الحجة عليه:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية [النحل/ ٨٩].
وأعلم -أيضًا- أنَّ التحقيقَ هو تخصيصُ العامِّ بالخاصِّ سواء تقدَّم عنه أو تأخرَ؛ خلافًا لأبي حنيفةَ القائلِ بأنَّ المتأخِّر منهما ناسخٌ، محتجًّا بقول ابن عباس أو الزُّهريّ: كانوا يأخذون بالأحدثِ فالأحدث، وبأنَّ العامَّ قطعيُّ الشمول للأفرادِ -عنده-، وعليه إنْ جُهِلَ التَّاريخ يلزمُ التوقف حتَّى يدلَّ دليلٌ آخر على أحدهما. وهذا المذهبُ روايةٌ -أيضًا- عن أحمد.
والدليلُ على تقديم الخاص على العامِّ مطلقًا أمران:
الأوَّل: أن الصحابة كانوا يقدمونه عليه، كما قاله المؤلفُ وغيرُه، ومَنْ تتبع قضاياهم تحقَّق ذلك عنهم.
الثَّاني: أن دلالة الخاصِّ أقوى من تناولِ العامِّ له، فلا شك أنَّ دلالة "إنا معاشر الأنبياءِ لا نورث" على عدم إرثِ فاطمة له -صلى اللَّه عليه وسلم- أقوى من دلالة عمومِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية [النساء/ ١١] على إرثها له -صلى اللَّه عليه وسلم- رضي اللَّه عنها.
وزاد المؤلفُ من المخصِّصاتِ المنفصلةِ قولَ الصحابي عند مَنْ يراه حجةً، وقد قدَّمنا أنَّ قولَ الصحابي لا يمكنُ أن يُخَصَّ به العامُّ إلَّا إذا كان له حكم الرفعِ بكونه لا مجالَ للرأي فيه.