للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذهب الثاني: أنَّ الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه. وهذا هو أظهر الأقوال؛ لأنَّ قولك: اسكن -مثلًا- يستلزم نهيك عن الحركة؛ لأن المأمور به لا يمكنُ وجوده مع التلبس بضده؛ لاستحالة اجتماع الضدين، وما لا يتم الواجب إلَّا به واجب كما تقدَّم، وعلى هذا القول أكثر أصحاب مالك، وإليه رجع الباقلاني في آخر مصنفاته، وكان يقولُ بالأول.

المذهب الثالث: أنه ليس عينه ولا يتضمنُه. وهو قول المعتزلة والأبياري من المالكية، وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية، واستدلَّ من قال بهذا بأنَّ الآمر يجوز أن يكون وقت الأمر ذاهلًا عن ضدِّه، وإذا كان ذاهلًا عنه فليس ناهيًا عنه، إذْ لا يتصور النهي عن الشيء مع عدم خطوره بالبال أصلًا.

ويجابُ عن هذا بأنَّ الكفَّ عن الضد لازم لأمره لزومًا لا ينفك، إذ لا يصح امتثال الأمر بحال إلا مع الكف عن ضده، فالأمر مستلزم ضرورة للنهي عن ضده، لاستحالة اجتماع الضدين.

قالوا: ولا تشترط إرادة الأمر، كما ألثمار إليه المؤلف -رحمه اللَّه-.

قال مقيده -عفا اللَّه عنه-:

قولهم هنا: "ولا تُشترط إرادة الأمر" في هذا المبحث غلطٌ؛ لأن المراد بعدم اشتراط الإرادة في الأمر إرادة الآمر وقوع المأمور به، أما إرادته لنفس اقتضاء الطلب المعبر عنه بالأمر، فلا بدَّ منها على كل

<<  <   >  >>