الذي يظهر -واللَّه أعلم- أنَّ قول المتكلمين ومن وافقهم من الأصوليين أنَّ الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، مبني على زعمهم الفاسد أنَّ الأمر قسمان: نفسي ولفظي، وأنَّ الأمر النفسي هو المعنى القائم بالذات المجرَّد عن الصيغة، وبقطعِهم النظر عن الصيغةِ واعتبارِهم الكلامَ النفسيَّ زعموا أنَّ الأمر هو عين النهي عن الضد مع أن متعلق الأمر طلب ومتعلق النهي ترك، والطلب استدعاء أمر موجود، والنهي استدعاء ترك فليس استدعاء شيء موجود.
وبهذا يظهر أن الأمر ليس عين النهي عن ضده، وأنه لا يمكن القول بذلك إلا على زعم أنَّ الأمر هو الخطاب النفسي القائم بالذات المجرَّد عن الصيغة.
ويوضح ذلك اشتراطُهم في كون الأمر نهيًا عن الضد أن يكون الأمر نفسيًا، يعنون الخطاب النفسي المجرد عن الصيغة، وجزم ببناء هذه المسألة على الكلام النفسي صاحبُ الضياء اللامع وغيره، وقد أشار المؤلف إلى هذا بقوله:(من حيث المعنى، وأمَّا الصيغة فلا)، ولم ينتبه لأنَّ هذا من المسائل التي فيها النارُ تحت الرماد؛ لأن أصل هذا الكلام مبنيٌّ على زعم باطل، وهو أنَّ كلام اللَّه مجرد المعنى القائم بالذات المجرد عن الحروف والألفاظ؛ لأنَّ هذا القول الباطل يقتضي أنَّ ألفاظ كلمات القرآن بحروفها لم يتكلم بها ربُّ السموات والأرض. وبطلان ذلك واضح، وسيأتي له إن شاء اللَّه زيادة إيضاح في مباحث القرآن ومباحث الأمر.