للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال صاحبُ "الضياء اللامع في شرح جمع الجوامعِ": "واتفق أهل العلم على صحته وإفساد العلةِ به". انتهى محلُّ الغرضِ منه.

واعلمْ أنَّ مِنْ أنواع الكسر ما ذكره المؤلفُ، وهو إبداء الحكمةِ بدون الحكمِ، وجزمَ بأنَّه غيرُ قادحٍ، واختاره ابن الحاجبِ في بعضِ المواضع من مختصره، ومثَّل له بقول الحنفي في المسافرِ العاصي بسفره: مسافرٌ، فيترخصُ في سفره، كغير العاصي.

فإذا قيلَ له: ولم قلتَ: إنَّ السفرَ علةٌ للترخُّص؟ قال: بالمناسبة؛ لما فيه من المشقةِ المقتضيةِ للترخص؛ لأنَّه تخفيفٌ، وهو نفعٌ للمترخص.

فيعترضُ عليه بصنعةٍ شاقةٍ في الحضر، كحمل الأثقالِ وضربِ المعاولِ وما يوجبُ قربَ النار في ظهيرةِ القيظِ في القُطْرِ الحارِّ، فهنا قد وجدت الحكمةُ وهي المشقة، ولم يوجد الحكمُ الذي هو قصرُ الصلاة وإباحةُ الفطر -مثلًا-.

والجوابُ عن هذا: أنَّ الشرعَ إنَّما اعتبرَ مشقةَ السفر، فالعلةُ في الترخيصِ السفرُ، وحكمتها رفعُ المشقة.

فأصلُ العلةِ لم يوجدْ في الصنعةِ الشاقةِ في الحضر، فلم يقعْ كسرٌ في العلة، وسفرُ العاصي بسفره علةٌ للترخص، والمانعُ من تأثيرها هنا عند من يقولُ به أنَّ الترخيصَ تخفيفٌ، والتخفيفُ على العاصي إعانةٌ له على معصيته، واللَّه يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة/ ٢].

<<  <   >  >>