للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوده وعدمه فهو المعروف بالجائز عقلًا، وهو الجائز الذاتيُّ، كقدوم زيد يوم الجمعة وعدمه.

فالمستحيل الذاتيُّ أجمع العلماء على أن التكليف به لا يصحُّ شرعًا؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة / ٢٨٦]، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن/ ١٦]، ونحو ذلك من أدلة الكتاب والسنة.

القسم الثاني من قسمي المستحيل عقلًا: هو ما كان مستحيلًا لا لذاته، بل لتعلق علم اللَّه بأنه لا يوجد؛ لأنَّ ما سبق في علم اللَّه أنه لا يوجد مستحيل عقلًا أن يوجد؛ لاستحالة تغير ما سبق به العلم الأزلي.

وهذا النوع يسمونه المستحيل العرضي، ونحن نرى أنَّ هذه العبارة لا تنبغي، لأنَّ وصف استحالته بالعرض من أجل كونها بسبب تعلق العلم الأزلي لا يليق بصفة اللَّه، فالذي ينبغي أن يقال: إنَّه مستحيل لأجل ما سبق في علم اللَّه من أنه لا يوجد.

ومثال هذا النوع: إيمان أبي لهب، فإن إيمانه بالنظر إلى مجرد ذاته جائزٌ عقلًا الجواز الذاتي؛ لأن العقل يقبل وجوده وعدمه، ولو كان إيمانه مستحيلًا عقلًا لذاته لاستحال شرعًا تكليفه بالإيمان مع أنه مكلف به قطعًا إجماعًا، ولكن هذا الجائز عقلًا الذاتي مستحيل من جهة أخرى، وهي من حيث تعلق علم اللَّه فيما سبق أنَّه لا يؤمن؛ لاستحالة تغير ما سبق به العلم الأزليُّ.

والتكليف بهذا النوع من المستحيل واقع شرعًا وجائز عقلًا وشرعًا

<<  <   >  >>