ومن أجود تعاريف الرُّخصة، ما عرُّفها به بعضُ أهل الأصول من أنَّها: هي الحكم الشرعي الذي غُيِّر من صعوبة إلى سهولةٍ لعذرٍ اقتضى ذلك، مع قيام سبب الحكم الأصلي.
فخرج بالتغيير ما كان باقيًا على حكمه الأصلي، كالصلوات الخمس، وخرج بالسهولة نحو حرمة الاصطياد بالإحرام بعد إباحته قبله، لأنه تغيير من سهولة إلى صعوبة، وكذلك الحدود والتعازير، مع تكريم (١) الآدمي المقتضي للمنع من ذلك قبل وروده.
وخرج بالعذر ما تغيَّر من صعوبة إلى سهولة لا لعذر، كترك تجديد الوضوء لكل صلاة، فإنَّ التجديد لكل صلاة كان لازمًا ثم غير إلى سهولةٍ هي أنَّه يصلي بوضوء واحد كلَّ الصلوات ما لم يُحْدِث، إلا أن هذا التغيير لا يسمى رخصة اصطلاحًا، لأنه لم يكن لعذر جديد.
وخرج بقيام سبب الحكم الأصلي النسخُ، كتغيير إيجاب مصابرة المسلم الواحد العشرة من الكفارِ بمصابرة اثنين منهم فقط المنصوص في أخريات الأنفال؛ لأنَّ الحكم الأصليَّ الذي هو مصابرة العشرة كان في أول الإسلام لقلة المسلمين وكثرة الكافرين، وفي وقت النسخ زال هذا السبب بكثرة المسلمين، وكذلك ما لو قطع من إنسان بعض أعضاء الوضوء فإن غسله يسقط عنه وجوبه ولا يسمى رخصة؛ لأن سبب الحكم الأصلي وجود محله وقد زال هنا بقطعه.
(١) أي أن إكرام الآدمي حق له، فتغير هذا الحق بصعوبة، وهو التعزير، فليس ذلك رخصة. "عطية"