وهو على هذا القول واضحٌ، لأنَّ الضمير في قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} راجع إلى ما تشابه منه، وهو بعينه المتشابه.
ومن قال بأنَّ الواو عاطفة، فإنَّه فسر المتشابه بما يعلمه الراسخون في العلم دون غيرهم، كالآيات التي ظاهرها التعارض، وهي غير متعارضة في نفس الأمر، كقوله: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)} [القصص/ ٧٨] وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩)} [الرحمن/ ٣٩] مع قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)} [الحجر/ ٩٢] وقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)} [الأعراف/ ٦]، ونحو ذلك من الآيات.
وقول من قال: إن المتشابه القصص والأمثال، فسَّر المتشابه بما يشبه بعضه بعضًا؛ لأنَّ قصص الأمم الماضية يشبه بعضه بعضًا، وكذلك الأمثال.
ورجح المؤلف -رحمه اللَّه- أنَّ المتشابه ما استأثر اللَّه بعلمه، وأن الوقف تام على قوله {إِلَّا اللَّهُ}، أي وما يعلم تأويله إلا اللَّه وحده، بقرائن في الآية:
فمن القرائن المعنوية اللفظية: أنَّه لو أراد عطف الراسخين لقال: "ويقولون" بالواو.
ومن القرائن المعنوية: أنه ذم مبتغي التأويل، ولو كان ذلك معلومًا للراسخين لكان مبتغيه ممدوحًا لا مذمومًا، ولأن قولهم:{آمَنَّا بِهِ} يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه،