لا سيما إذا أتبعوه بقوله:{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فذكرهم ربهم هنا يعطي الثقة به والتسليم لأمره، وأنه من عنده كالمحكم، ولأن لفظة (أما) في قوله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} لتفصيل الجمل، فذكره لها في الذين في قلوبهم زيغ مع وصفه إياهم باتباع المتشابه وابتغاء تأويله، يدلُّ على قسم آخر يخالفهم في هذه الصفة وهم الراسخون، ولو كانوا يعلمون تأويله لم يُخالفوا القسم الأول بابتغاء التأويل.
قال مقيده -عفا اللَّه عنه-:
مراده أنَّ قوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} الآية، يفهم منه ما مضمونه: وأمَّا الراسخون في العلم فلا يتبعون ما تشابه منه، ولا يبتغون تأويله.
وقول المولف (١) -رحمه اللَّه- في هذا المبحث:(والصحيح أنَّ المتشابه ما ورد في صفات اللَّه سبحانه وتعالى ممَّا يجب الإيمان به، ويحرم التعرضُ لتأويله، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)}. . .) إلى آخره = لا يخلو من نظر؛ لأنَّ آيات الصفات لا يُطلق عليها اسم المتشابه بهذا المعنى من غير تفصيل، لأن معناها معلوم في اللغة العربية وليس متشابهًا، ولكن كيفية اتصافه جل وعلا بها ليست معلومة للخلق.
وإذا فسرنا المتشابه بأنه هو ما استأثر اللَّه بعلمه دون خلقه، كانت كيفية الاتصاف داخلة فيه لا نفس الصفة.