وإيضاحه: أنَّ (استوى) إذا عُدِّيَ بِـ (على) معناه في لغة العرب: الارتفاع والاعتدال، ولكن كيفية اتصافه جلَّ وعلا بهذا المعنى المعروف عند العرب لا يعلمها إلا اللَّه جلَّ وعلا، كما أوضح هذا التفصيل إمام دار الهجرة مالك بن أنس تغمَّده اللَّه برحمته، بقوله:"الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول".
فقوله -رحمه اللَّه-: "الاستواءُ غيرُ مجهول"، يوضحُ أنَّ أصل صفة الاستواء ليست من المتشابه، وقوله:"والكيف غير معقول" يبين أنَّ كيفية الاتصاف تدخل في المتشابه، بناءً على تفسيره بما استأثر اللَّه تعالى بعلمه، كما تقدم.
وهذا التفصيل لابدَّ منه، خلافًا لظاهر كلام المؤلف -رحمه اللَّه-.
وقد بسطنا الكلام بإيضاح هذه المسألة في كتابنا "أضواء البيان" في أول سورة آل عمران. والعلم عند اللَّه تعالى.
فإنْ قيل: إنْ فسرنا المتشابه بأنه ما استأثر اللَّه بعلمه، فما الحكمة في خطاب الخلق بما لا يفهمونه؟
فالجواب: أن اللَّه تعالى يمتحن خلقه بما شاء، فلا مانع من أن يكلفهم الإيمان بما لا يعلمون معناه امتحانًا وابتلاء لهم.
ويدل لهذا الوجه ما ذكر تعالى عن الراسخين في العلم من قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، فإنهم آمنوا به لأنهم علموا أنَّه من عند ربهم كالمحكم. واللَّه تعالى أعلم.