قالوا: حسن الصدق النافع والإيمان وقبح الكذب الضار والكفران, معلوم بالضرورة من غير نظر إلى عرف أو شرع أو مصلحة أو مفسدة, ولذلك اتفق عليه العقلاء مع اختلاف عرفهم وشرعهم وغرضهم يدل على أنه ذاتي, وإذا كان ذاتيًا في البعض كان ذاتيًا في الجميع, إذ لا قائل بالفرق.
أجاب: بمنع كونه معلومًا بالضرورة, بل بأحد ما ذكر من الشرع أو العرف أو غيرهما, أو لقول بمنع الضرورة في حسنه وقبحه بالمعنى المتنازع فيه.
نعم بمعنى موافقة الغرض ومخالفته مسلّم, لأنا لو قدرنا أنفسنا خالية عن المذكور, لم يحصل لنا جزم بحسنها ولا قبحها بالمعنى المتنازع فيه.
احتجوا ثانيًا: بأنه إذا استوى الصدق والكذب في جميع الأمور التي يمكن أن تكون متعلق الغرض العاقل بحيث لا يختلفان, إلا أن أحدهما صدق والآخر كذب, مع قطع النظر عن كل مقدر يصلح مرجحًا للصدق من شرع أو عرف أو مصلحة أو مفسدة, آثر العقل الصدق, ولولا أن الحسن ذاتيًا للصدق لما آثر العقل الصدق.
أجاب: لا استواء في نفس الأمر؛ لأن لكل واحد منهما لوازم وهما أيضًا متنافيان, ومحال تساوي المتنافيين, فحينئذ تقدير تساويهما تقدير مستحيل, فيمتنع إيثار الصدق على ذلك التقدير استبعاد منعه في نفس الأمر وإنما يلزم لو كان ذلك التقدير واقعًا.