أنه قرر أن النسب يثبت بالقيافة, وإنما استبشر لأن المنافقين أنكروا أن يكون ابنه, لبياض زيد وسواد أسامة, وهم يعتقدون القيافة, والنبي عليه السلام تأذى من قول المنافقين, فلما قال مجزز ما قال وهم يعتقدون حكم القيافة, لزمهم على أصلهم الذي هو القيافة أن يكون ابنه, وأن يكونوا كاذبين فيما تخرصوا, فاستبشر بما يلزمهم مما يسلمونه.
وردَّ المصنف اعتراض القاضي: بأن القيافة إذا لم تكن طريقًا لإثبات النسب لم يجز للنبي ترك إنكارها وإن كانت موافقة للحق؛ لأن موافقة الحق لا تمنع الإنكار إذا كان الطريق منكرًا؛ لأنه سكوته لأجل حقية الشيء يوهم حقية طريقه, والاستبشار ليس لإلزام الخصم لأنه لو كان أصله باطلا لأنكره إذ الإنكار لا يدفع الإلزام؛ لأن الإلزام حصل بمجرد قول القائف, فلا يدفع إنكاره عليه السلام ما ألزمهم على أصلهم, فلما لم ينكر دلّ على الجواز.
قال:(مسألة: الفعلان لا يتعارضان, كأكل وصوم, لجواز الأمر في وقت, والإباحة في آخر, إلا أن يدل دليل على تكرير الأول له أو لأمته, فيكون الثاني ناسخًا).
أقول: المسألة الثالثة: في أن أفعاله عليه السلام هل تتعارض أم لا, وهل تتعارض مع أقواله؟ وهما بحثان, ولهذا جعلهما في المنتهى مسألتين.
والتعارض بين شيئين: تقابلهما على وجه يمنع كل واحد مقتضى