للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٩٩٣ - صنع الله أفندى (*)

ابن قاضى القضاة جعفر أفندى، أحد قضاة العسكر المشهورين فى الدّيار الرّوميّة، بل فى جميع الديار الإسلامية، بالدين والصلاح والتّقوى والمروءة والعلم والعمل ومكارم الأخلاق.

نشأ من صغره فى مهد الأمانة، وحجر الصّيانة، وملازمة القراءة أوّلا فى القرآن الكريم، ثم فى الكتب المعتبرة والمتون المحرّرة، والشّروح المشهورة بالتحقيق، والحواشى المعروفة بالتّدقيق، وكان لا يملّ من المطالعة والمراجعة، والاشتغال والإشغال.

وكانت أيّامه كلها فى إقبال، وبلوغ آمال، تخدمه السّعود،/وتعينه الجدود، إلى أن بلغ مبالغ الرجال، وفاق الأقران والأمثال، حتى كان الإمام العلاّمة، والقدوة الفهّامة، صاحب «التفسير» الذى سارت بذكره الرّكبان، وأذعن له كلّ قاص ودان، مفتى الديار الروميّة، والممالك الإسلامية، أبو السّعود العمادىّ، رحمه الله تعالى، يراعيه ويكرمه، ويعتنى به ويقدّمه، ويرجّحه على سائر أقرانه، وأصحابه وإخوانه، ويرى مخايل النّجابة ظاهرة عليه، وعيون التّوفيق ناظرة إليه، وكان كثيرا ما يحكّمه فى التّرجيح بين الأفاضل، والمحقّقين الأماثل، ويرضى بحكمه، ويثنى على دقّة فهمه، وقد حقّق الله تعالى رجاءه فيه، وجعله قائما مقامه وناصرا له على من يعاديه.

ثم بعد أن حصّل من الفضائل ما حصّل، وأنعم الله تعالى عليه بما أمّل، وصار مدرّسا فى مدارس متعدّدة، أجلّها قدرا، وأشهرها ذكرا، مدرسة الوالدة بمدينة اسكى دار، حميت عن البوار، وهى والدة السلطان مراد خان، تغمّدهما الله بالرّحمة والرّضوان، حتى إنها كانت أجلّ من السّليميّة والسّليمانيّة وغيرهما من المدارس المنسوبة إلى آل عثمان، أدام الله تعالى دولتهم إلى آخر الزمان، وكان صاحب الترجمة أجلّ من وليها من المدرّسين، وكان يلقى بها الدّروس للخاصّة والعامّة، من غير مانع ولا مدافع، بخلاف أكثر المدرّسين بالديار الرومية، فإنّ من عادتهم أن لا يمكّنوا أحدا من حضور دروسهم، سوى تلاميذهم المخصوصين بهم، ولم يزل بهذه المدرسة يفيد الطّلاّب، ويباحث أولى الألباب، ولا يبخل على أحد بفوائده، والتقاط فرائده، ولا يتكبّر على أحد فى مباحثة


(*) ترجمته فى: خلاصة الأثر ٢/ ٢٥٦ - ٢٥٩. وكانت وفاته فى حدود سنة إحدى وعشرين وألف.