للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولاّه أمير المؤمنين المهدىّ القضاء ببغداد، فى الجانب الشرقىّ.

وحدّث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، وسليمان الأعمش، وغيرهما.

وروى الخطيب، عن إسحاق بن إبراهيم، أنه قال: كان أصحاب أبى حنيفة، رضى الله تعالى عنه، الذين يذاكرونه؛ أبو يوسف، وزفر، وداود الطّائىّ، وأسد بن عمرو، وعافية الأودىّ، والقاسم بن معن، وعلى بن مسهر، ومندل وحبّان، ابنا علىّ، وكانوا يخوضون فى المسألة، فإن لم يحضر عافية، قال أبو حنيفة، رضى الله تعالى عنه: لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية. فإذا حضر عافية، فإن وافقهم، قال أبو حنيفة، رضى الله تعالى عنه: أثبتوها. وإن لم يوافقهم، قال أبو حنيفة: لا تثبتوها.

وقد كان المهدىّ أشرك فى القضاء بينه وبين محمد بن عبد الله بن علاثه الكلابىّ، فكانا يقضيان جميعا فى المسجد الجامع فى الرّصافة، هذا فى أدناه وهذا فى أقصاه، وكان عافية أكثرهما دخولا على المهدىّ.

وحدّث إسماعيل بن إسحاق القاضى، عن أشياخه، قال: كان عافية القاضى يتقلّد للمهدىّ القضاء بإحدى جانبى بغداد، مكان ابن علاثة، وكان عافية عالما زاهدا، فصار إلى المهدىّ فى وقت الظهر فى يوم من الأيّام، وهو خال، فاستأذن عليه، فأدخله، فإذا معه قمطره، فاستعفاه من القضاء، واستأذنه فى تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك، فظنّ أنّ بعض الأولياء قد غضّ منه، أو أضعف يده فى الحكم، فقال له فى ذلك، فقال: ما جرى من هذا شئ. فقال: فما سبب استعفائك؟ فقال: كان يتقدّم إلىّ خصمان موسران وجيهان منذ شهرين، فى قضيّة معضلة مشكلة، وكلّ يدّعى بيّنة وشهودا، ويدلى بحجج تحتاج إلى تأمّل وتثبّت، فرددت الخصومة، رجاء أن يصطلحا، أو يعنّ لى وجه فصل ما بينهما. قال: فوقف أحدهما من خبرى على أنّى أحبّ الرّطب السّكّر، فعمد فى وقتنا، وهو أوّل أوقات الرّطب، إلى أن جمع رطبا سكّرا، لا يتهيّأ فى وقتنا جمع مثله إلاّ لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه، ورشا بوّابى جملة دراهم، على أن يدخل الطّبق إلىّ، ولا يبالى أن يردّ، فلمّا أدخل إلىّ، أنكرت ذلك، وطردت بوّابى، وأمرت بردّ الطّبق، فردّ، فلما كان اليوم تقدّم إلىّ مع خصمه، فما تساويا فى قلبى ولا فى عينى، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل، فكيف يكون حالى لو قبلت، ولا آمن أن يقع علىّ حيلة فى دينى فأهلك، وقد فسد الناس، فأقلنى أقالك الله، وإعفنى. فأعفاه.