المبارك، قال: تحمّلت عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف منهم. ثم قال العباس:
وقع لى من شيوخه ثمانمائة.
وعن على بن الحسن بن شقيق، قال: قمت مع ابن المبارك فى ليلة باردة، ليخرج من المسجد، فذاكرنى عند الباب بحديث، وذاكرته، فما زال يذاكرنى حتى جاء المؤذّن، فأذّن للفجر.
وكان ابن المبارك من صيانة العلم، وعدم ابتذاله لأهل الدّول وأهل المناصب، ومن ليس له بأهل، على جانب عظيم.
وروى أنّ رجلا من بنى هاشم جاء إليه يسمع منه، فامتنع ابن المبارك، فقال الهاشمىّ لغلامه: قم بنا. فلمّا أراد الرّكوب، جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، لا ترى أن تحدّثنى، وتمسك بركابى؟ فقال: رأيت أن أذلّ لك بدنى، ولا أذلّ لك الحديث.
وعن الفضيل بن عياض، أنّه قال. وهو بمكة: وربّ هذا البيت ما رأت عيناى مثل ابن المبارك.
وقال عبد الله بن سنان: قدم ابن المبارك مكة وأنا بها، فلما خرج شيّعه سفيان ابن عيينة، والفضيل بن عياض، وودّعاه، فقال أحدهما: هذا فقيه أهل المشرق. وقال الآخر: وفقيه أهل المغرب.
وقال نعيم بن حمّاد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب «الزهد» كأنّه ثور قد ذبح، لا يقدر أن يتكلّم.
وقال أبو عمر ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدا من الفقهاء سلم أن يقال فيه شئ، إلاّ عبد الله بن المبارك (١).
وذكر ابن عساكر، فى «تاريخ دمشق» لعبد الله بن المبارك ترجمة واسعة، أحببت أن ألخّص منها ما يكون فيه قدوة لأهل العلم، وهاد لأهل الرّشاد، وطريق لأهل النّجاة، ومبين لما كان عليه عبد الله من العلم والدّين والورع وغير ذلك، وإن كان فيما ذكرناه كفاية، فإنّ مثل أخبار عبد الله وأوصافه، لا يملّ سماعها إلاّ مبتدع،/عميت بصيرته، ولم تخلص من الكدر سريرته؛ فمن ذلك ما روى، أنّ عبد الله بن المبارك،