للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعن الحسن بن عيسى، قال: لمّا حضرت ابن المبارك الوفاة، قال لنصر مولاه:

اجعل رأسى على التّراب. قال: فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؟ قال: أذكر ما كنت فيه من النّعيم، وأنت هو تموت فقيرا غريبا. فقال له: اسكت، فإنّى سألت الله أن يحيينى حياة الأغنياء، وأن يميتنى ميتة الفقراء. ثم قال: لقّنّى، ولا تعد علىّ إلاّ أن أتكلّم بكلام ثان.

وروى أنّه لمّا حضرته الوفاة، جعل رجل يلقّنه: قل لا إله إلاّ الله. فأكثر عليه، فقال: إنّك ليس تحسن، أخاف أن تؤذى بها رجلا مسلما بعدى، إذا لقّنتنى فقل:

لا إله إلاّ الله. ثمّ إن لم أحدث كلاما بعدها فدعنى، فإذا أحدثت كلاما بعدها، فلقّنى حتى تكون آخر كلامى.

وعن أبى القاسم القشيرىّ، أنّه قال: قيل فتح عبد الله بن المبارك عينيه عند الوفاة، فضحك، وقال: ﴿لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ﴾ (١).

وروى أن رؤى على قبر عبد الله بن المبارك مكتوب:

الموت بحر موجه غالب … تذهل فيه حيل السّابح

لا يصحب المرء إلى قبره … غير التقى والعمل الصّالح

ولمّا مات ابن المبارك، وبلغ موته الرّشيد، جلس للعزاء، وأمر الأعيان أن يعزّوه فيه، وعدّ ذلك من محاسن الرشيد.

وروى عن أبى حاتم الفربرىّ، أنّه كان يقول: رأيت عبد الله بن المبارك فى المنام، واقفا على باب الجنة، بيده مفتاح، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ما يوقفك ههنا؟ قال:

هذا مفتاح باب الجنة، دفعه إلىّ محمد ، وقال: حتى أزور الرّبّ ، فكن أمينى فى السماء، كما كنت أمينى فى الأرض.

وفى «تاريخ العينىّ» عن على بن الحسن بن شقيق، أنّه قال: توجّه ابن المبارك من مرو إلى الكوفة للحجّ، فخرج ثم رجع بعد ذلك عن قريب، فسألته عن سبب رجوعه، فقال: خرجت إلى موقف الكوفة، وفى كمّى خمسمائة دينار، لأشترى بها جمالا، فرأيت امرأة تسارق الناس من بعيد، وتتقدّم إلى مزبلة هناك، عليها بطّة ميّتة، تريد أن تأخذها، فإذا نظر إليها أحد أمسكت، فغفل الناس عنها، فأخذتها وأنا أسارقها


(١) سورة الصافات ٦١.