للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولم يقل ذاك إلاّ كلّ مبتدع … على الإله وعند الله زنديق

أصيح يا قوم عقلا من خليفتكم … يمسى ويصبح فى الأغلال موثوق (١)

وقد سأل بشر من المأمون أن يطلب قائل هذه الأبيات، فيؤدّبه على ذلك، فقال له: ويحك، لو كان فقيها لأدّبته، ولكنّه شاعر، فلست أعرض له.

ولمّا تجهّز المأمون للغزو (٢)، فى آخر سفرة سافرها إلى طرسوس، استدعى بجارية كان يحبّها، وقد اشتراها فى آخر عمره، فضمّها إليه، فبكت الجارية، وقالت: قتلتنى يا أمير المؤمنين بسفرك هذا. ثم أنشأت تقول:

سأدعو دعوة المضطرّ ربّا … يثيب على الدّعاء ويستجيب

لعلّ الله أن يكفيك حربا … ويجمعنا كما تهوى القلوب

فضمّها إليه، ثم أنشأ متمثّلا يقول:

فيا حسنها إذ يغسل الدّمع كحلها … وإذ هى تذرى الدّمع منها الأنامل

صبيحة قالت فى العتاب قتلتنى … وقتلى بما قالت هناك تحاول

ثم أمر الخادم (٣): مروا بالإحسان إليها، والاحتفاظ عليها حتى يرجع، ثم قال: نحن كما قال الأخطل (٤):

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم … دون النّساء ولو باتت بأطهار

ثم ودّعها وسافر (٥)، فمرضت الجارية فى غيبته، ومات المأمون أيضا.

وقيل: إنّه لمّا مات جاء نعيّه إليها، تنفّست الصّعداء، وحضرها الموت، وأنشأت تقول، وهى فى السّياق:

إنّ الزّمان سقانا من مرارته … بعد الحلاوة أنفاسا فأروانا

أبدى لنا تارة منه فأضحكنا … ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا


(١) فى البداية: «يا قوم أصبح عقلا».
(٢) البداية والنهاية ٢٨٠،١٠/ ٢٧٩.
(٣) فى البداية: «مسرور الخادم».
(٤) شرح ديوان الأخطل ٨٤.
(٥) فى البداية: «وسار».