للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصله من اليمن، ثم انتقل أبوه منها إلى بلاد الرّوم فسكنها، وولد صاحب الترجمة بها، ونشأ بمدينة بروسة.

وكان يقال له عرب زاده، على عادة الرّوم والتّرك (١) فى بلادهم، لمن يكون أصله عربيّا ولو ولد ببلادهم، ونشأ بها (١).

وكانت نشأته حسنة، على قدم جيّد.

ثم قدم القاهرة وهو شابّ، ونزل بقاعة الشيخونيّة، وقرأ على إمامها خير الدّين سليمان ابن عبد الله، وغيره، ونسخ بالأجرة مدّة، واشتغل./

ثم انقطع عن الناس، فلم يكن يجتمع بأحد، بل اختار العزلة، مع المواظبة على الجمعة والجماعات، ويبكّر إلى الجمعة بعد اغتساله لها بالماء البارد صيفا وشتاء، ولا يكلّم أحدا فى ذهابه وإيابه، ولا يجترئ أحد على الكلام معه، لهيبته ووقاره، وتورّع جدّا، بحيث إنه لم يكن يقبل من أحد شيئا، ومتى اطّلع على أن أحدا من الباعة حاباه؛ لكونه عرفه لم يعد إليه؛ وللخوف من ذلك كان يتنكّر ويشترى بعد العشاء الآخرة قوت يومين أو ثلاثة، وأقام على هذه الطّريقة أكثر من ثلاثين سنة، وكراماته كثيرة، ولم يكن فى عصره من يدانيه فى طريقته.

قال العينىّ: وثبت بالتّواتر أنه أقام أكثر من عشرين سنة لا يشرب الماء أصلا، وكان يقضى أيّامه بالصّيام، ولياليه بالقيام.

مات فى ليلة الأربعاء، ثانى شهر ربيع الأوّل، سنة ثلاثين وثمانمائة، وصلّى عليه العينىّ، وكان الجمع فى جنازته موفورا، مع أن أكثر الناس كان لا يعرفه، ولا يعلم بسيرته، فلما تسامعوا بموته هرعوا إليه، ونزل السّلطان من القلعة، فصلّى عليه بالرّميلة، وأعيد إلى الخانقاه، فدفن بجوار الشيخ أكمل الدّين، وحمل نعشه على الأصابع، وتنافس الناس فى شراء ثياب بدنه، واشتروها بأغلى الأثمان، فاتّفق أنه حسب ما اجتمع من ثمنها، فكان قدر ما تناوله من المعلوم من أوّل ما نزل بالخانقاه، وإلى أن مات، لا يزيد ولا ينقص، وعدّ هذا من كراماته، رحمه الله تعالى.


(١ - ١) فى ص: «تسمية من لم يكن منهم عربيا، ولو ولد ببلادهم ونشأ بها»، والمثبت فى: ط، ن.