للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأمّا مسألة خلق القرآن فلم يرجع عنها، وكان قد ابتدأ بالكلام فيها، فى سنة اثنتى عشرة، ولكن لم يصمّم ويحمل الناس، إلاّ فى سنة ثمان عشرة، ثم عوجل ولم يمهل، بل توجّه غازيا إلى أرض الرّوم، فمرض، ومات، فى سنة ثمان عشرة ومائتين.

واستقلّ بالخلافة أخوه المعتصم محمّد بن هارون الرّشيد، بعهد منه، وكان ملكا شجاعا، بطلا مهيبا، وهو الذى فتح عمّوريّة (١)، وقد كان المنجّمون قضوا بأنه يكسر، فانتصر نصرا مؤزّرا، وأنشد فيه أبو تمّام قصيدته السّائرة، التى أوّلها (٢):

السّيف أصدق أنباء من الكتب … فى حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

والعلم فى شهب الأرماح لامعة … بين الخمسين لا فى السّبعة الشّهب (٣)

أين الرّواية أم أين النّجوم وما … صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرّصا وأحاديثا ملفّقة … ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب (٤)

قال: ولقد تضيق الأوراق عن شرح ما كان عليه من الشّجاعة والمهابة والمكارم، والأموال، والخيل (٥)، والدّهاء، وكثرة العساكر، والعدد، والعدد.

وقال الخطيب: ولكثرة عسكره، وضيق بغداد عنه، بنى سامرّا، وانتقل بالعساكر إليها، وسمّيت العسكر.

ويقال: بلغ عدّة غلمانه الأتراك فقط، سبعة عشر ألفا.

وقيل: إنه كان عريّا من العلم، مع أنه رويت عنه كلمات تدلّ على فصاحة ومعرفة.

قال أبو الفضل الرّياشىّ: كتب ملك الرّوم، لعنه الله، إلى المعتصم، يتهدّده، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، أمّا بعد، فقد قرأت/كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى، لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدّار.


(١) عمورية: بلد ببلاد الروم. مراصد الاطلاع ٩٦٣.
(٢) ديوانه بشرح التبريزى ١/ ٤٠ - ٤٢.
(٣) السبعة الشهب: الطوالع التى أرفعها زحل، وأدناها القمر، وبعضها الشمس. شرح التبريزى. الموضع السابق.
(٤) النبع: شجر تتخذ منه القسى، والغرب: شجر ينبت على الأنهار ليس له قوة. شرح التبريزى الموضع السابق.
(٥) فى طبقات الشافعية: «والحيل».