وقد يتّفق لهؤلاء العلماء أن يخالفوا أصحاب المذاهب، لدلائل وأسباب ظهرت لهم بعدهم.
وأول كتاب جمع فى فتاويهم كتاب «النوازل» للفقيه أبى الليث السّمرقندىّ، وكذلك «العيون» له؛ فإنه جمع صور فتاوى جماعة من المشايخ، ممّن أدركهم بقوله: سئل أبو القاسم فى رجل كذا أو كذا، فقال: كذا وكذا. سئل محمد بن سلمة عن رجل كذا وكذا، فقال:
كذا أو كذا. وهكذا.
ثم جمع المشايخ بعده كتبا أخر فى الفتاوى ك «مجموع النوازل والواقعات» للنّاطفىّ، و «الواقعات» للصدر الشهيد، رحمه الله تعالى.
ثم جمع المتأخّرون هذه المسائل فى فتاواهم وكتبهم مختلطة، غير متميّزة، كما فى «جامع قاضى خان»، «الخلاصة»، وغيرهما.
وميّز بعضهم كما فى كتاب «المحيط» لرضىّ الدين السّرخسىّ؛ فإنه ذكر أولا مسائل الأصول، ثم النوادر، ثم الفتاوى، ونعم ما فعل.
واعلم أن من كتب الأصول، كتاب «الكافى» للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد فى نقل المذهب.
وشرحه جماعة من المشايخ منهم: الإمام شمس الأئمّة السّرخسىّ وهو «مبسوط» السّرخسىّ، والإمام القاضى الإسبيجابىّ (١)، وغيرهما.
ومن كتب المذهب «المنتقى» له أيضا، إلا أن فيه بعض النوادر؛ ولهذا يذكره صاحب «المحيط» بعد ذكره النوادر معنونا بالمنتقى، ولا يوجد «المنتقى» فى هذه الأعصار.
واعلم أيضا أن نسخ «المبسوط» المروىّ عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبى سليمان الجوزجانىّ.
وشرح «المبسوط» المتأخّرون، مثل شيخ الإسلام أبى بكر المعروف بخواهرزاده، ويسمى «المبسوط البكرىّ» والصدر الشهيد وغيرهما، ومبسوطهم شروح فى الحقيقة،
(١) نسبة إلى أسبيجاب، ويقال لها أسفيجاب، وهى بلدة كبيرة من أعيان بلاد ما وراء النهر، فى حدود تركستان. معجم البلدان ١/ ٢٤٩، وانظره فى ١/ ٢٣٧.