للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقط، بل له ولما حواه من الفضائل الكاملة، والفواضل الشاملة، لما أنعم الله تعالى به عليه من العقل، واللطف، والرفق، والشفقة، والرحمة، وحسن التدبير، والفكر الثّاقب، والرأى الصائب، ولكونه ممّن يستحقّ أن يوصف بقول أبى الطيب المتنبّى، بل هو أحقّ به ممن قيل فى حقّه (١):

قاض إذا اشتبه الأمران عن له … رأى يفرّق بين الماء واللّبن (٢)

ولما خرج متوجّها إلى مدينة أدرنة المذكورة، خرج معه لتوديعه وتشييعه من أرباب الدولة، وأكابر الديار الروميّة، ومواليها، وعلمائها، وفضلائها، ما لا يعدّ كثرة، وكان من جملتهم قاضيا القضاة، المعروف كل منهما فى الدولة العثمانية بقاضى العسكر، أحدهما قاضى العسكر بولاية روميلى، والآخر بولاية أناطولى.

ولما وصل بالصحة والسلامة إلى مدينة أدرنة، فرح أهلها بقدومه، واستقبلوه إلى مسافة بعيدة عن المدينة، سرورا بذلك لما كانوا يسمعونه عنه، من اتّصافه بالأخلاق الحميدة، والآراء السديدة، ولما بلغهم عنه أيضا من الثّقات، أنه يقول: لا بد أن أسلك طريق العدل/ والإنصاف، وأساعد الفقراء والمساكين بحسب الطاقة، ولا أدع (٣) أحدا من أتباعى يمدّ يده إلى شئ من أموال الناس. وغير ذلك من الوعود الجميلة، والنية الصالحة، وقد أنجز وعده، وحفظ عهده، وسار فيهم سيرة شريحيّة (٤)، بفطنة إياسيّة (٥)، حتى فاق الأقران، وأربى فى سائر الفضائل على غالب من تقدّمه فى الزمان.

ولما سافر السلطان الغازى محمد خان، نصره الله تعالى، إلى بلاد الكفار الفجار، بولاية


(١) ديوان أبى الطيب ١٥٧، من قصيدة يمدح بها أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخصيبى، قاضى أنطاكية.
(٢) فى الديوان: «إذا التبس الأمران … يخلص بين الماء واللبن».
(٣) فى الأصول: «يدع».
(٤) فى ط: «سريجية»، والمثبت فى: س، ن.
وهو يشير إلى القاضى شريح بن الحارث بن قيس الكندى، المتوفى سنة ثمان وسبعين، وكان له قضاء الكوفة فى أيام عمر وعثمان وعلى ومعاوية، وكان مأمونا فيه، ثقة فى الحديث.
حلية الأولياء ٤/ ١٣٢، شذرات الذهب ١/ ٨٥، وفيات الأعيان ٢/ ١٦٧.
(٥) يشير إلى القاضى إياس بن معاوية بن قرة المزنى، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة.
كان قاضى البصرة، ويضرب به المثل فى الذكاء والزكن.
حلية الأولياء ٣/ ١٢٣، ثمار القلوب ٩٢ - ٩٤، وفيات الأعيان ١/ ٢٥٤ - ٢٥٧.