للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأروى للحديث، وأقضى فى الأحكام، وأفقه فى الفتوى، كتب إليه (١) ملوك عدّة كتبا مصدّرة بتعظيمه، يسأله فيها عن مسائل فى الفقه والعربيّة واللّغة.

وكان حسن الخطّ، طلب أن يقرّر فى ديوان الإنشاء فامتنع (٢)، وقال: هذا أمر يحتاج إلى دربة، وأنا عار منها، وسياسة وأنا غريب فيها.

وفى «الدّرّ/الثّمين» أن أبا سعيد (٣) لمّا شهد عند قاضى القضاة ابن معروف، وقبل شهادته، وصار من جملة عدوله، عاتبه على ذلك أحد المختصّين به، وقال له: إنّك إمام الوقت، وعين الزمان، والمنظور إليه، والمقتبس من علمه، تضرب إليك أكباد الإبل، ويفتقر إليك الخاصّ والعامّ، والرّعايا والسّلطان، فإذا توسّطت مجلسا كنت المنظور فى الصّدر، وإذا حضرت محفلا كنت البدر، قد اشتهر ذكرك فى الأقطار والبلاد، وانتشر علمك فى كلّ محفل (٤) وناد، والألسنة مقرّة بفضلك، فما الذى حملك على الانقياد لابن معروف واختلافك إليه؟ فصرت تابعا بعد أن كنت متبوعا، ومؤتمرا بعد أن كنت آمرا، وضعت من قدرك، وضيّعت كثيرا من حرمتك، وأنزلت نفسك منزلة غيرك، وما فكّرت فى عاقبة أمرك، ولا شاورت أحدا من صحبك.

فقال: اعلم أنّ هذا القاضى مراده اكتساب ذكر جميل، وصيت حسن، ومباهاة لمن تقدّمه، ومع ذلك فله من السلطان منزلة رفيعة، وقوله عنده مسموع، وأمره لديه متبوع، (٥) ورأيته يستضئ برأيى، ويعدّنى من جملة ثقاته وأوليائه (٥)، وقد عرّض لى (٦) وصرّح مرّة بعد أخرى، وثانية عقب أولى، فلم أجب، فخفت مع كثرة الخلاف أن يكون تكرار الامتناع موجبا للقطيعة، وتوقّع أضرار، وإذا اتّفق أمران، فاتّباع ما هو أسلم جانبا، وأقلّ غائلة أولى، وقد كان ما كان، والكلام بعد ذلك ضرب من الهذيان.

وكان أبو علىّ الفارسىّ وأصحابه يحسدونه كثيرا.


(١) هذا قول التميمى حكاية لما أورده أبو حيان من كتب الملوك والرؤساء إليه.
(٢) في الامتناع والمؤانسة ١/ ١٣٢ أن الذى أراده أبو جعفر الصميرى.
(٣) انظر معجم الأدباء ٨/ ١٥٦ - ١٥٨.
(٤) فى ن: «بلد» والمثبت فى: س، ط.
(٥ - ٥) فى معجم الأدباء: «وبلغنى أنه يستضئ برأيه، ويعده من جملة ثقاته وأوليائه».
(٦) فى س بعد هذا زيادة عما فى ط، ن، ومعجم الأدباء: «مرة».