للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم إنّه خرج نحو أصبهان متنكّرا، وأنا وأخوه وغلامان له فى زىّ الصّوفيّة، إلى أن وصلنا إلى (١) طبران، وهى على باب أصبهان، وقاسينا شدائد، فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدّولة وخواصّه، وحملوا إليه الثّياب والمراكب، وبالغ علاء الدّولة فى إكرامه، وصار من خاصّته.

وقد خدمت الشيخ وصحبته خمسا وعشرين سنة، وجرت مناظرة فقال له بعض اللّغويّين: إنّك لا تعرف اللغة. فأنف الشيخ، وتوفّر على درس اللّغة ثلاث سنين، فبلغ طبقة عظيمة من اللغة، وصنّف بعد ذلك كتاب «لسان العرب»، ولم يبيّضه.

قال: وكان الشيخ قوىّ القوى كلّها، وكان قوّة المجامعة من قواه الشّهوانيّة أقوى وأغلب، وكان كثيرا ما يشتغل به، فأثّر فى مزاجه، وكان يعتمد على قوّة مزاجه، حتى صار أمره إلى أن أخذه القولنج، وحرص على برئه حتى حقن نفسه فى يوم ثمانى مرّات، فتقرّح بعض أمعائه، وظهر به سحج (٢)، وسار مع علاء الدّولة، فأسرعوا نحو إيذج، (٣) فظهر به هناك الصّرع الذى قد يتبع علّة القولنج، ومع ذلك كان يدبّر نفسه ويحقن نفسه لأجل السّحج، فأمر يوما باتّخاذ دانقين من بزر الكرفس،/فى جملة ما يحتقن به، طلبا لكسر الرّياح، فقصد بعض الأطبّاء الذى كان هو يتقدّم إليه بمعالجته، فطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم، لست أدرى أعمدا فعله أم خطأ، لأننى لم أكن معه، فازداد السّحج به من حدّة البزر، وكان يتناول المنزود يطوس؛ لأجل الصّرع، فقام بعض غلمانه وطرح فيه شيئا كثيرا من الأفيون، وناوله فأكله، وكان سبب ذلك خيانتهم فى مال كثير من خزائنه، فتمنّوا هلاكه ليأمنوا، فنقل الشيخ إلى أصبهان، وبقى يدبّر نفسه، واشتدّ ضعفه، ثم عالج نفسه حتى قدر على المشى، لكنّه مع ذلك يكثر المجامعة فكان ينتكس.

ثم قصد علاء الدّولة همذان، فسار الشيخ معه، فعاودته تلك العلّة فى الطريق، إلى أن وصل همذان، وعلم أنّه قد سقطت قوّته، وأنّها لا تفى بدفع المرض، فأهمل مداواة نفسه، وأخذ يقول: المدبّر الذى كان يدبّر قد عجز عن التّدبير، والآن فلا تنفع المعالجة. وبقى على هذا أيّاما، ومات عن ثلاث وخمسين سنة. انتهى قول أبى عبيد.


(١) ساقط من: س، ط، وهو فى: ن، وعيون الأنباء.
(٢) السحج: التقشر.
(٣) فى الأصول: «إيذخ»، والتصويب من عيون الأنباء.
وإيذج: كورة وبلد بين خوزستان وأصبهان. معجم البلدان ١/ ٤١٦.