للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فلهم أن يُعْقِبُوه بمثل قِراهم» (١) وإذا كان الله تكفل بحفظ كتابه العزيز، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٢) فإن أعظم ما بذل فيه الجهد، واستنفرت له الهمم، وقضيت فيه الأوقات، خدمة كتاب الله العزيز، وسنة رسول الله البشير النذير - صلى الله عليه وسلم -، أما الكتاب العزيز فجهود العلماء فيه ظاهرة معلومة، وهو محفوظ من الله - عز وجل -، وتحقق وعد الله - عز وجل -، إذ وعته العقول، واستوعبته الصدور، وفي وقت قريب من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دُوِّن في مصحف واحد بعناية واهتمام، فتحقق له الحفظ والصون والأمان، فلا ينال منه شيطان من إنس ولا جان.

أما سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد تكفل الله - عز وجل - بحفظها إذ قيَّض لنبيه - صلى الله عليه وسلم - رجالا اختارهم لصحبته - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا خيارا عدولا أمناء، حفظوا ما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأدَّوه بحرص وأمانة، لكن بقيت السنة مُعَرَّضة بعدهم - رضي الله عنهم - للتزوير والتحوير، وهو أمر خطير وشر مستطير، حذر منه البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٣) وهذه لفتة نبوية إلى أن الكذب عليه سيقع لا محالة، لذلك حذر منه أمته، فكان هذا الخبر منه - صلى الله عليه وسلم - دافعا قويا لأمته من بعده لأخذ الحيطة والحذر في النقل عنه - صلى الله عليه وسلم - فالحديث عنه شديد كما قال زيد بن أرقم - رضي الله عنه - (٤)، وهكذا احتاط الأصحاب - رضي الله عنهم - لأنفسهم، يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «لولا أني أخشى أن أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (٥) وشددوا في التثبت من النقلة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - في قصة ميراث الجدة لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، بل قال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري - رضي الله عنه - فشهد له (٦)، وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يشدد على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في نقله حديث الاستئذان ويقول: " تأتيني على ذلك ببينة - وفي


(١) رجال ثقات أخرجه أبو داود حديث (٤٦٠٤) وصححه الألباني.
(٢) الآية (٩) من سورة الحجر.
(٣) أخرجه البخاري حديث (١٠٧).
(٤) أخرجه ابن ماجه حديث (٢٥) وصححه الألباني.
(٥) البخاري حديث (١٠٨) ومسلم حديث (٢) وانظر: (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث ٢).
(٦) البخاري حديث (٢٨٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>