للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحاديث تأتينا من قبل المشرق، ننكرها لا نعرفها، ما كتبت حديثا ولا أذنت في كتابته " (١)، فهذا يؤكد أن مبادرة الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى الأمر بكتابة السنة وتدوين ما تفرق بصورة أوسع مما كان في بعض الصحف (٢)، وموافقة العلماء من أمثال الإمام الزهري على رأيه كان خوفا من دروس (٣) العلم وذهاب أهله، وأن يدخل في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس منها، وهو ما تنبهله الزهري من تلك الأحاديث الآتية من قبل المشرق، ونجزم أن بداية جِدية التفكير في تدوين السنة وتصنيف علومها كانت في عهد التابعين من أيام الزهري وأقرانه، لكنها بالنسبة لقواعد علوم الحديث لم تتجاوز نقل أقوال مبثوثة (٤)، أُثرت عن الأصحاب والأئمة من التابعين، وهي لا تمثل مادة علمية كاملة لقواعد مصطلح الحديث، سوى أنها فتحت الباب على مصراعيه للبحث والنظر في هذا الموضوع الخطير.

٣ - مرحلة بداية التدوين: هذه المرحلة تقدر بما يقارب (١٥٠) سنة من بداية القرن الثالث إلى منتصف الرابع تميزت هذه الفترة عن سابقتها بإبراز بعض قواعد علوم الحديث في مصنفات مستقلة، مثل كتاب العلل لابن المديني، ومعظم المادة العلمية في هذه المرحلة إما قواعد مستقلة في كتب متفرقة، كما في الرسالة والأم للإمام الشافعي، أو مبثوثة في مصنفات الحديث على اختلاف طرائقها في التصنيف، كما في مصنفات الإمام البخاري، ومقدمة صحيح مسلم، وما كتبه الترمذي من العلل، وما نقل عن الإمام أحمد، وعن أبي داود وغيرهم، يقول الإمام مسلم رحمة الله علينا وعليه: وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار بأمر الدين إنما تأتي بالتحليل أو


(١) المحدث الفصل رقم (٣٤٦) وتقييد العلم (١٠٨).
(٢) بدأت كتابة الحديث في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون شك، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: " ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمر، فإنه كان يكتب ولا أكتب " أخرجه البخاري حديث (١١٣) وليس بخافٍ على أهل العلم أمر الصحف المكتوبة في عهده - صلى الله عليه وسلم -، كصحيفة أبي بكر، وعلي له صحيفة، وصحيفة عمرو بن العاص وغيرهم - رضي الله عنهم -، وقد صنف الحافظ الخطيب البغدادي كتابه (تقييد العلم) استوعب فيه كافة الروايات المانعة والمجيزة، وذكر الجمع بينها بعدة أوجه، ويترجح الجواز على المنع لقوة أدلته (بين هذا الأخ الزميل أ. د محمد بن مطر الزهراني رحمه الله في كتابه (تدوين السنة ٠٦٥ - ٨٦).
(٣) أي يضيع ويمحى. أنظر (لسان العرب ٦/ ٧٩) ..
(٤) انظر (صحيح البخاريكتاب العلم، باب (٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>