[كثرة شهادة الزور]
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (كثرة شهادة الزور).
انظر جوار مجمع المحاكم، على باب القسم، ستجد تحقق هذه العلامة، تجد المحامي يقول لموكله: يا أستاذ! ألا يوجد عندك شهود عدول؟ فيقول: لا، فيقول له: أصحابك، فيقول: ليس عندهم فراغ، وكان الشاهد قديماً بخمسين قرشاً، فادفع الآن مبلغاً مناسباً؟ وتأخذ من أحد شهادة زور، ثم يذهب الاثنان إلى نار جهنم والعياذ بالله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياك والشرك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فاعتدل؛ لأن الذي سيأتي خطير هو بعد الشرك بالله، وبعد عقوق الوالدين فقال: (ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور) حتى قلنا: ليته سكت.
أي: ليته لم يكن كررها؛ لأن هذا الأمر خطير، أي: شهادة الزور، فلا تقل: أخي حكى لي حكاية فذهبت وشهدت معه في المحكمة؛ بل إن رأيت بعينيك فبها وإلا فلا، أي: لابد أن ترى بعينيك.
رجل جاء يشهد عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال له: تعال، وأخذه بيده خوفاً عليه من النار، وذهب به خارج المسجد بعد صلاة العصر، والشمس لازالت واضحة، فقال له: (أترى الشمس؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: على مثلها فاشهد أو دع) أي: على مثل قرص الشمس ينبغي أن تكون شهادتك، فقال الرجل: اعفني من الشهادة يا رسول الله.
فالأمر خطر، فإذا كنت رأيت الحق شيئاً واضحاً بيناً فاشهد وتوكل على الله.
انظر إلى سيدنا علي رضي الله عنه كيف شهد شهادة الحق، ذهب ابنه الحسن يخطب من قبيلة همدان، فلما صعد علي المنبر، قال: أيها المسلمون! بينكم قبيلة همدان، وأنا أحبهم، وابني الحسن ذهب ليتزوج منهم، وهو مزواج مطلاق.
-أي: يتزوج كثيراً ويطلق كثيراً- إن شئتم فزوجوه، وإن شئتم فالأمر بأيديكم.
انظر إلى الصراحة، ولم يقل: هذا ربيب بيت النبوة، وسيدنا الحسن سيد شباب أهل الجنة هو والحسين.
فقال زعيم القبيلة: يا أمير المؤمنين! كيف نرفض أن تضع ابنتنا شفتيها مكاناً كانت توضع فيه شفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أي: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن، وتكون ابنتنا تقبله أيضاً في المكان الذي قبله الرسول صلى الله عليه وسلم، فسر سيدنا علي من الإجابة وقال: لو كنت بواباً على باب جنةٍ لقلت لهمدان ادخلوا بسلام يعني: أنهم ماداموا يحبون بيتي وآل البيت والحسن ابني فهؤلاء ناس أهل كرم.
أتت امرأة بابنها وعمره سبع سنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما له؟ قالت: لا يتكلم يا رسول الله! فقال: كوباً من الماء يا أنس، وأخذ قليلاً من الماء، فوضعه في فم الولد.
فقال الولد: السلام عليك يا رسول الله.
إذاً: فحذار من شهادة الزور، ولو كانت لأقرب قريب، وإن استفتيت في موضوع فقل بما يرضي الله، وبما ترى، ولا تقل: ما رأته سيادتك! اللهم اجعلنا من أهل الصدق، وأبعدنا عن شهادة الزور يا رب العالمين.