[الحالات الأربع التي يعيش فيها العبد]
أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، ندعو الله في بداية هذه الحلقة أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم اجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا يوم يقوم الأشهاد، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعل هذه الجلسة فيك خالصة يا رب العالمين! اللهم اجعلنا فيك من المتجالسين المتحابين المتزاورين، يحبونا بحبك من أحببت، ويعادونا بعداوتك من عاديت.
اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وثقل موازيننا يوم القيامة يا رب العالمين! اعطنا كتابنا بأيماننا، ولا تعطه إيانا بشمائلنا أو من وراء ظهورنا.
اللهم أوردنا حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم شفع فينا نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، واجعلنا من جيرانه في الفردوس الأعلى يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، كما نسألك يا مولانا وأنت العلي القدير السميع المجيب أن تستجيب دعاءنا، وأن تفك كربنا، وأن تحسن خلاصنا، وأن تفك أسرنا، وأن تبلغنا مما يرضيك آمالنا.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اجعل يا رب ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيننا وبين معاصيك.
اللهم تب على كل عاص اللهم تب على كل عاص اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال اللهم اهد كل ضال، واشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض اللهم اشف كل مريض، فرج يا رب! كرب المكروبين، وسد اللهم دين المدينين، واشرح صدورنا وصدور المسلمين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا أرجعته غانماً سالماً لأهله.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بفضلك بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً.
اللهم انظر إلينا نظرة رضاء اللهم انظر إلينا نظرة رضاء اللهم انظر إلينا نظرة رضاء، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
توقفنا في الحلقة الخامسة عشرة عند الحديث عن الصراط، فاللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، ثم نتواصل مع حلقات الدار الآخرة، وهذه المواقف العصيبة، التي لا عاصم فيها من أمر الله إلا من رحم.
المسألة ليست مسألة علم وتضييع للأوقات، كلا، إنما المسألة أكبر من ذلك، فمثلنا كمن يمسك بمصباح أو نحوه، ليضيء الطريق لمن يتعثر بالطريق؛ لأن الناس كما اتفقنا من قبل معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا أهل البلاء، يعني: أي إنسان قد يعرض عن دروس العلم ويزهد فيها فهذا مبتلى، فادعوا الله له بالشفاء، وأن يحببه إلى درس العلم، فهذه نعمة يجب أن تشكر الله عليها: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] يعني: الهداية ليست من عندك ولا عندي، ولا عند أحد، هكذا قال الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] اللهم اهدنا فيمن هديت يا رب العالمين! قلنا: المسلم في الدنيا لا يخرج عن أربع حالات: إما أن يكون في نعمة، أو بلية، أو طاعة، أو معصية، لا يمكن لأحد أن يخرج عن هذه الحالات الأربع؛ لأن دروس العلم يجب أن يخرج منها المرء وقد جدد إيمانه، وكما قلت: الساعة السابعة والنصف بالنسبة لي يجب أن تختلف عن الساعة التاسعة والنصف، فإذا أخذت الشحنة يجب أن تتغير حالك إلى أحسن حال، اللهم بدل حالنا إلى أحسن حال يا رب العالمين! هذه الحالات الأربع لا يمكن أن ينفك منها عبد: طاعة، ومعصية، ونعمة، وبلية، أنت في درس العلم بفضل الله في طاعة، ومن أعظم القربات إلى الله مجالس العلم، حتى إنه ينادي منادٍ يوم القيامة: (ليقم أهل الله) يعني: أهل التقوى، والمغفرة، أهل الشهيد، أهل الابتلاءات، أهل المصائب، أهل الطاعات، أهل قيام الليل، أهل صيام النهار، القاضون لحوائج الناس، فهؤلاء لهم بشارة، وعلامة، لهم علم يرفعونه، أهل العلم هم أهل الله! ولعل الحالات الأربع تجتمع في وقت واحد كأن ذهبت تريد أن تطيع الله عز وجل وصلت رحمك -عمتك أو خالتك أو ابن عمك أو ابن خالك- إلخ -وقعدت فإذا بك تغتاب فلاناً وفلاناً، فهذه معصية في عمل طاعة، فبدل ما كانت الملائكة تصلي عليك، وتستغفر لك، وتدعو لك بالخير، إذا بالأمر ينقلب فتسجل لك السيئات بالغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس مع عمك وخالك.
وفي نفس الوقت هذه الطاعة في نفسها نعمة، وهذه الحالة الثالثة.
فأنت عندما تجد باب طاعة اسلك فيه، وداوم على الطاعة واصبر عليها.
قال الفضيل بن عياض: تعلمت الصبر من صبي صغير، يقول: ذهبت مرة إلى المسجد فوجدت امرأة تنظر من داخل دار، وهي تضرب ابنها، وهو يصرخ، ففتح الباب وهرب، فأغلقت عليه الباب، قال: فلما رجعت نظرت فلقيت الولد بعدما بكى قليلاً نام على عتبة الباب يستعطف أمه؛ فرق قلب الأم ففتحت الباب، فبكى الفضيل حتى ابتلت لحيته بالدموع وقال: سبحان الله! لو صبر العبد على باب الله عز وجل لفتح الله له.
يعني: الإنسان عندما يرتكب معصية لا يطرد من رحمة الله، وإنما يطرد من الطائفة الصالحة، فالذي لا يصلي حرم من الثواب وحرم الخير كله، اللهم لا تحرمنا من الخير، فمثلاً أنت في الصلاة تسلم على مائة مليون مسلم، والمصلون أكثر، لكن أنت جدلاً تأخذ في كل صلاة مائة مليون حسنة، في كل فرض، وانظر كم يكون لك من الحسنات، فهذا كرم من الله.
ومن رحمة الله أن الحسنات والسيئات بيد الله، يقول الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:٢٦] لم يقل: للقهار؟ يظل الله يرحم ويرحم ويرحم يوم القيامة حتى يتطلع إبليس لرحمة الله، فيوم القيامة يقول الله عز وجل: يا عبادي! اعبروا الصراط بفضلي، وادخلوا الجنة برحمتي، لا بأعمالكم، والدرجات في الجنة هي عملك، اللهم أحسن أعمالنا يا رب! يقول الله في الحديث القدسي: (أطعتنا فقربناك، وأحببتنا فأحببناك، وتركتنا فأمهلناك، ولو عدت إلينا على ما كان منك قبلناك) وهو رحيم سبحانه وتعالى، فالذي يهرب من صلاة الجماعة حرم الخير كله، والذي يهرب من دروس العلم حرم الخير كله، فتحمد الله أنه حبب لك العلم وأهل العلم، اللهم اجعلنا من المحبين للعلم وأهله يا رب العالمين! إذا كنت في طاعة فواظب عليها، وإياك أن تبطلها وتتكاسل عنها! وخير الأعمال أدومها وإن قلت، إما طاعة تستوجب المواظبة، وإما معصية تستوجب الاستغفار، يعني: الذنب الذي تعمله عجل فيه بالاستغفار قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، أنت في نعمة تستوجب الشكر، والذي يزيل النعم منك كثرة المعاصي، وقد قلنا: إن من ثمرات الطاعة نور في الوجه، ويقين في القلب، وانشراح في الصدر، ومحبة عند الخالق والمخلوق، فمن اتقى الله أحبه الناس ولو كرهوه ظاهراً.
ولذلك من نعم الله على سيدنا موسى أن الله قال له: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:٣٩] لا ينظر أحد إلى سيدنا موسى إلا ويحبه، حتى فرعون أحبه غصباً عنه؛ لأن الله ألقى عليه محبة من عنده، اللهم ألق علينا محبةً من عندك يا رب العالمين! ومن ثمرات المعصية ظلمة وغبرة في الوجه، انظر إلى وجه مدمن للمخدرات تجده مظلماً والعياذ بالله! وانظر إل عينيه تجدهما متغيرتان، وانظر إلى مدمن التدخين وإلى أصابعه كيف هي صفراء، فكيف يدخل ذلك في جسمه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فالتدخين حرام، ومن قال لك: إن التدخين مكروه فهو جاهل، وهذا إجماع من مائة عالم أثق في علمهم، مائة عالم أجمعوا في إحدى المؤتمرات، ووقعوا هذه الوثيقة أن التدخين من ضمن المحرمات، فلنترك الفلسفة الموجودة عند بعض المسلمين.
والمدخن الغني مسرف، قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧] والمدخن الفقير سفيه، يقول الله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:٥] وكلاهما شر، والناس يبعثون على ما ماتوا عليه، تخيل إنساناً في الدنيا يستحي من أبيه، ويستحي من عمه، ومن خاله، حتى لو كان هذا المدخن كبير السن فإنه يستحي أن يدخن أمام خاله، أو أمام عمه، أو أمام كبير العائلة، تخيل أن هذا المدخن مات وهو يدخن فسوف يبعث يوم القيامة وهو يدخن، فكيف سيقف بين يدي الله عز وجل؟! المعصية تحدث غبرة في الوجه، تجد الموظف المرتشي فتنظر إلى وجهه تجده كأنه وجه خنزير؛ لأنه مرتش، وممكن بكل سهولة أن تتطاول عليه بالكلام فيصبر عليك، وتتفق معه اتفاق