[بيان عظم نعم الله علينا]
ودروس العلم سواء في الدار الآخرة أو في غيرها هي من أعظم الهدايا والنعم التي أنعم الله بها علينا، وأعظم نعمة أنعم الله علينا بها هو أن أخذ بأيدينا إلى طريق الخير، ولنفرض جدلاً أن حاكماً من الحكام أو مسئولاً من المسئولين أهدى لك هدية، فهذه الهدية أنت تنظر لها من ثلاث زوايا: أولاً: من ناحية الهدية في ذاتها: أنها على قدر حال المهدي، فحين أهدي لك طاقية أو سواكاً أو قلماً تكتب به فهذا على قدر حالي، وهو الذي أستطيعه، ولكن الواحد من كبار المسئولين يعطيك على قدر حاله، فقد يعطيك قلم ذهب بخمسمائة جنيه، فكل هدية على قدر مهديها.
وثانياً: أنه فكر فيك ولم ينسك، وأهدى لك لأنه يحبك، وهذه نعمة ثانية.
وثالثاً: تقول: والله بقي أن أكتب له بهذا القلم جواب شكر، فأنت تريد أن تشعر نفسك بالمنة، فتكتب له جواب شكر بالقلم، ولله المثل الأعلى.
فالبشر يهديك حطاماً من حطام الدنيا، وأما الله فيهديك أعظم هدية وهي الهداية نفسها، فيهديك إلى درس العلم، وإلى سورة تحفظها من القرآن، وإذا حفظ الرجل القرآن وظن أن أحداً أعطي خيراً منه، فقد استقل نعمة الله عليه.
وفي إحدى البلاد القريبة للقاهرة كان هناك مسيحي نصراني ثري، فجلس مسلم يكلمه عن الإسلام وحلاوته وعظمته، وجمال القرآن وحلاوته وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فتفتحت أذنه وانقطع عن الكنيسة، فبعثوا له ثلاثة من القساوسة، فجاءوا إليه وقالوا له: ما الذي أغضبك منا؟ فقال: بصراحة الإنجيل هذا فيه حاجات لا تعجبني، فقالوا: كيف؟ هذا لا يعقل، هذا كتاب الرب.
فقال: هاتوه، فأتوا بالأنجيل، ففتحه وقال: هذه الحكاية لا تعجبني فاشطبوها، فشطبوها، فقلب الصفحة الذي بعدها وقال: هذه الآية أيضاً نشطبها، فجلسوا يشطبون؛ فقال: انتظروا، وخرج إلى رجل مقرئ لا يؤبه له، فدعاه ليقرأ سورة مريم، فخاف وهو يرى القساوسة أمامه، فقال له: اقرأ يا أخي! يمكن ربنا يهدينا، فقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم:١ - ٢]، حتى وصل إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:٣٤].
فقال الرجل: هذه الآية: {قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:٣٤] لا تعجبني، فقال القارئ: يعني ماذا؟ فقال له: نشطبها ونعطيك خمسين ألف جنيه، فقال القارئ: امشوا من هنا.
وهذه القصة حصلت والله، ودخل في دين الله.
فقارئ القرآن لا يقدر أن يفرط في القرآن ولا في آية ولا حتى في حرف؛ لأن هذا مثال مصداق لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هؤلاء كانوا متمسكين بالقرآن والسنة بأيديهم وأسنانهم، لا يزحزحهم عن كتاب الله عز وجل شيء.
إذاً: إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما أقامك، فإن كانت أغلب أوقاتك لله رب العالمين فاعرف أنك على الحق، فإن لقيت أوقاتك قد ضاعت في غير ما يرضي الله ولقيت أحب الناس يعرض عنك بعد أن كان حبك قد تسرب إلى قلوب الناس فابحث لك عن قلب فإنه لا قلب لك.
اللهم أحي موات قلوبنا يا رب العالمين! اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من أصحابها يا رب!