للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحذير مؤمن آل فرعون لقومه من يوم القيامة]

قال تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:٣٢]، أي: يوم القيامة، ونحن رأينا النداءات المتعددة يوم القيامة، ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار، ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة، ونادوا على أصحاب الأعراف، وكل رسول ينادي على أمته، وكل أناس ينادون رسولهم، والخليل ينادي على خليله، والحبيب ينادي على حبيبه، والشيطان يهرب من أتباعه الذين ينادونه، ويقول: ليس لي من الأمر شيء، ويقول: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢].

فيقوم القيامة كله نداءات متعددة، حتى أمك تناديك وتأتي تقول لك: يا بني! كان بطني لك وعاء، وثدي لك سقاء، وحجري لك وطاء، فهل من حسنة عندك تنفعني في مثل هذا اليوم؟ فيقول لها: يا أماه! أنا أشكو مما تشكي أنت، أليس أنتِ عندك من حسنة واحدة؟ والابن يقول لأبيه: يا أبت! قد كنت باراً ورحيماً وشفيقاً بك، فهل عندك حسنة؟ فيقول له يا بني! أنا أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ وأنت نفسك حين ترى ابنك ستهرب منه، وتهرب من امرأتك، كما قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الزخرف:٦٧].

وسنرى وضع المتقين هناك إن شاء الله، اللهم اجعلنا من المتقين يا رب العالمين! قال تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:٣٢] فينادون كل واحد فلا يسمع أحد، وعملك هو الذي ينجيك، اللهم حسن أعمالنا يا رب! قال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر:٣٣] تولين مدبرين من النار لما تأتي عليكم، والعياذ بالله رب العالمين، قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٣ - ٢٤]، أي ليتني كنت عملت خيراً، وقدمت خيراً.

و (يا ليت) هذه لا تنفع، وأنت الآن في الأمنية فافعل، فبدلاً من أن تقول: (يا ليت)، فالأمنية موجودة، والعمل موجود، والمساجد موجودة، ومجالس العلم موجودة، وكتاب الله موجود، وأهل العلم موجودون، والخير موجود، والمال الذي تقدر تزكيه منه موجود، فأنت في الأمنية، ولن ينفعك أحد يوم القيامة.

قال تعالى: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:٣٣] فليس هناك أحد يعصمك من الله إلا رحمته، وعملك هو الذي ينصرك يوم القيامة، اللهم حسن أعمالنا يا رب! قال تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر:٣٣] نعم، ربنا يضله -والعياذ بالله رب العالمين- بعمله.

قال الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر:٣١] فربنا لا يظلم أحداً، ولكن الناس كانوا أنفسهم يظلمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>